الدونكيشوتية في الحركات و التنظيمات الاسلامية
بقلم : احمد ابو فرحة
لم يكن يتخيل الكاتب الروائي الاسباني (سرفنتيز) حين
كتب روايته المشهورة الدونكيشوت ديلامنشا انه يسطر واقعا لا يعرف دولة أو حدود او
دين , بل اتجاه نفسي قد يصيب الأفراد أو الجماعات على حد سواء . و تدور قصة
الدونكيشوت عن رجل في الخمسين من عمره تأثر بكتب الفروسية و المثاليات و القيم , و
ينطلق بعدها الدونكيشوت على حصانه الهزيل بسيفه و درعه ليخوض غمار الحروب ضد الشر
و ضد الوحوش التي تسيطر على الأرض . يتبع الدونكيشوت رجل بسيط ساذج يركب حمارا
يعتبره أقوى من الحصان يدعى بانشو , و كان الدونكيشوت قد وعده بإمارة جزيرة كبيرة
بعد أن تضع الحرب أوزارها .
ينطلق الدونكيشوت و بانشو في حربهما البطولية الشرسة
ضد طواحين الهواء التي كانت بحسب الدونكيشوت هي الشر بعينه , و في كل مرة يخرج
الدونكيشوت بطلا منتصرا و ينتقلون بعهدها الى ارض جديدة ليحرروا العالم من براثن
الشر .
و في كل مرة يسأل التابع بانشو سيده عن طواحين الهواء
و ما الفائدة من قتالها , فيجيبه الدونكيشوت بلغة أدبية لا تخلو من الاستعلاء : هل
تقلل من شأني يا بانشو ؟ هل تقلل من انتصاراتنا التاريخية ؟ و بعدها يخجل التابع من
سيده و يستمر معه في قتاله الأسطوري و يردد دائما العبارات القوية التي يقولها
سيده .
كل شيء في حياة الدونكيشوت كان وهما , من ادعاء
البطولة , إلى المرأة الحسناء التي يحبها و هي في الحقيقة عجوز شمطاء يراها
الدونكيشوت أميرة !!
يمثل الدونكيشوت في الحقيقة كل توجه سواء على مستوى الأفراد
او مستوى الجماعات في الانحراف عن الأهداف الحقيقية السامية و الانفصال عن الواقع
, فكل من انفصل عن الواقع وانحرف عن الأهداف الرئيسية المفروض أن يحققها في حياته
وانشغل بمعارك جانبيه وانتصارات وهميه وخلد تلك الانتصارات ومجدها وهي ليست إلا في
الحقيقة طواحين هواء ، هو دونكيشوت .
و يمثل بانشو التابع , كل فرد في جماعة أو تنظيم عمت
بصيرته الا عن رؤية جماعته او تنظيمه , و لا يرى انتصارا إلا انتصار التنظيم سواء أكان
هذا الانتصار حقيقيا او انه في الحقيقة حرب مع طواحين الهواء !!
أمثلة من الدونكيشوتية في التنظيمات الاسلامية :
قبل طرح الأمثلة , فانه لا يقلل من شأن أي حركة أو
جماعة أو تنظيم في خدمة هذا الدين , و لكننا هنا في نظرة نقدية حقيقية لبعض
السلوكيات التي تعتبر حقيقة دونكيشوتية و لا تخدم صالح المسلمين العام . و انه لا
تخلو أي جماعة او تنظيم من فكرة الدونكيشوتية , و لكن فان النسبة في تلك ممكن ان
تكون أكثر هناك , و هكذا .
1- حزب التحرير الإسلامي :
حزب يدعوا إلى تحكيم الخلافة في الأرض و ما أروعه من
هدف نبيل . و لكننا على الأرض و تحت ظل المحتل الغربي او من ينوب عنه من إذنابه
المرتدة , نجد الحزب قد قسم العالم بأسره الى ولايات و أقاليم و إداريات و لكل
منها أمير يسير أعمال المسلمين و إعمال الحزب . فنسمع ولاية تركيا او ولاية الأردن
أو ولاية العراق !! هل هذا من الحقيقة في شيء؟ و الأدهى أن شباب الحزب يعيشون هذا
الجو من الحكم و ينتظرون اللحظة الحاسمة لتسليم الجيوش و الأمة الاسلامية مقاليد
الحكم لهم !! فإن لم تكن هذه دونكيشوتية , فماذا اذا ؟
2- الإخوان المسلمون
بعد كل المذابح التي جرت لهم في مصر , فإنهم يصورنها
انتصارات , و بعد كل الذلة التي ذاقوها و بقية المسلمين , فأنهم يسمونها عزة , و
بعد حكم لمصر لا يمت للإسلام بصلة , فإنهم ضيعوا الحكم الذي لم يحموه أصلا و قد
ضاع الإسلام بعد ذهاب حكمهم !! انتصارات وهمية يسطرها شباب الإخوان ضد عسكر الكفر اغلبها
على الشبكة العنكبوتية . هزائم متتالية متوالية تصر على أنها انتصارات و واقع
الحال عندهم في مصر بين قتيل و شريد و سجين . و في آخر المطاف عند شباب الإخوان : الإخوان
رأس حربة الإسلام في العالم !! أليست هذه دونكيشوتية ؟
3- الدولة الاسلامية في العراق و الشام
مما لا شك فيه أنها أقوى الفصائل الاسلامية العاملة في
الساحة الاسلامية و أكثرها فتكا في العدو و بالأخص في العراق و جهادهم لا ينكره ذو
إنصاف او عقل و ملاحمهم او بطولاتهم في العراق بالذات تسطر في كتب أطفال المسلمين
ليدرسوها . لكن هل هم فوق النقد ؟ من ظن ذلك ففيه دونكيشوتية . و في الشام نجد
جهود الدولة منصبة ضد الحركات الاسلامية و الجهادية بغض النظر عن افهام تلك
الحركات و التنظيمات و في نفس الوقت النظام النصيري المجرم لا يطوله الكثير من
جهود الدولة . أليست هذه معارك جانبية في غنى عنها ؟
و تأتي الدونكيشوتية عند الدولة الاسلامية في اعتبار أنفسهم
دولة لا تنظيم . هذه علة العلل و سبب الفصام . فتراهم يضعون صورة للدولة تضم
العراق و الشام مع بعضها , و هم في حقيقة الأمر تنظيم متواجد في صحاري الانبار و
بلدات صغيرة في الانبار و الموصل لا تشكل 10 % من مساحة العراق الحقيقة , و في سوريا
فإن تواجدهم في أماكن و مدن قليلة , و أنصار الدولة يتعاملون و كأنهم حكام لكل
العراق و الشام !! و أي شيخ أو حتى مجموعة من الأفراد من أي بلد ينصرون الدولة
الاسلامية في العراق و الشام فان تلك النصرة بنظرهم باسم البلد التي ينتمي إليها
الشيخ !! أليست هذه دونكيشوتية ؟ فيتوهم مناصر التنظيم أن العالم بأسره يقبع تحت
حكمه ا وان العالم كاملا يحبه و يناصره و هذه ابعد ما تكون عن الحقيقة .
أخيرا :
فان الناظر لحال المسلمين يجدهم مستضعفين يقتلون و
يذبحون بعضهم لا يلقى لقمة الأكل , و أن مجموع جهود التنظيمات مجتمعة بصالحها و
طالحها لا تستطيع الدفاع عن أطفال المسلمين في غالبية بقاع العالم , فأي دول و أي
ولايات و أي انتصارات تاريخية نتحدث عنها ..
إننا في خلاصة الأمر نحتاج إلى توحد جهود المسلمين ضد
العدو الحقيقي و عدم الانخراط في معارك جانبية نحن في غنى عنها , و أن كل فصيل أو
تنظيم يعتبر نفسه جزء من هذه الأمة و أن يصب كل جهوده في مصلحة هذه الأمة و أن
يعرف كل تنظيم قدره و يصور الحقيقة لا أكثر من ذلك , فنحن بحاجة إلى وقفة حقيقية
مع النفس .