الجمعة، 9 أكتوبر 2015

عاطفة نوح و شذوذ الخوارج



عاطفة نوح و شذوذ الخوارج
بقلم : أحمد أبو فرحة
سمعنا في الآونة الاخيرة عن احداث كثيرة تقشعر لها الابدان , فشخص يقتل خاله لانه في الشرطة , و آخر يقتل ابن عمه لنفس السبب , و شخص يقتل والده , و آخر يقاطع امه و اخواته لانهم يخالفونه بالرأي , و كثير من هذه الاحداث التي تنم عن جهل مركب و حقد اسود و تبرير مغلف بالولاء و البراء . الى الدرجة الذي اصبح مفهوم الولاء و البراء عند البعض ذريعة لتبرير الخصومة و الاجرام . فهل الولاء و البراء يقتضي ان اقتل ابني او ابي او امي او خالي لاجل الاعتقاد ظنا و جهلا بأنهم كفار او مرتدين؟!

سيدنا نوح و قومه و ابنه :
لعل النبي نوح مدرسة في الدعوة و الصبر و التحمل , فلقد دعا قومه ليلا و نهارا مئات السنين , و لقد ابتلي عليه السلام بفلذة كبده الذي كفر و لم يسمع لوالده و عق والده الذي رباه على الايمان . في سورة هود نستعرض مشهد سيدنا نوح مع قومه و ابنه و نقارن بين حلم الانبياء الذين جل همهم ان ينقذوا الناس من النار و بين الخوارج الجهلة الذين جل همهم ان يرسلوا الناس الى النار , متذرعين باسم الدين , اخزاهم الله .
*-  وَلَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ إِنّي لَكُم نَذيرٌ مُبينٌ﴿٢٥ أَن لا تَعبُدوا إِلَّا اللَّـهَ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ أَليمٍ ﴿٢٦
كغيره من الرسل و من تبعهم من الدعاة , الغرض من الدعوة "يندرج تحتها الجهاد" هو انقاذ الناس من النار و النجاة بهم الى الجنة .
*-  فَقالَ المَلَأُ الَّذينَ كَفَروا مِن قَومِهِ ما نَراكَ إِلّا بَشَرًا مِثلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذينَ هُم أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأيِ وَما نَرى لَكُم عَلَينا مِن فَضلٍ بَل نَظُنُّكُم كاذِبينَ ﴿٢٧
سنة الانبياء و الهداة المهتدين ان يستخف بهم اقوامهم و ان يسخروا منهم و تكذيب اقوالهم , و السخرية بهم , لكن هذا لا يولد رد فعل عند الدعاة لتصبح الدعوة من رسالة لاخراج الناس من الظلام الى النور , لتصبح الدعوة انتقام .
*-  قالوا يا نوحُ قَد جادَلتَنا فَأَكثَرتَ جِدالَنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ﴿٣٢
دليل على ان سيدنا نوح و مع طول دعوته لم يمل و يكل من الدعوة و وعدهم ببينة من الله و قومه ينتظرونها ليؤمنوا !!
*-  وَلا يَنفَعُكُم نُصحي إِن أَرَدتُ أَن أَنصَحَ لَكُم إِن كانَ اللَّـهُ يُريدُ أَن يُغوِيَكُم هُوَ رَبُّكُم وَإِلَيهِ تُرجَعونَ ﴿٣٤  دليل على ان الهداية و الضلال بيد الله , و ما انت الا نذير مبلغ .
*-  وَأوحِيَ إِلى نوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إِلّا مَن قَد آمَنَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَفعَلونَ ﴿٣٦
اوحى الله الى نوح ان الذين معك هم فقط المؤمنين و البقية كفار , و من الكفار المعاندين ابن سيدنا نوح , و يقول الله لنوح : لا تبتئس , أي لا تحزن . الله هنا اطلق الحكم على قوم نوح .
*- حَتّى إِذا جاءَ أَمرُنا وَفارَ التَّنّورُ قُلنَا احمِل فيها مِن كُلٍّ زَوجَينِ اثنَينِ وَأَهلَكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَلَيهِ القَولُ وَمَن آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَليلٌ ﴿٤٠
جاء وعد الله , و حل العذاب , و يؤكد الله على نوح ان احمل من اهلك الذين آمنوا فقط و الذين عاندوا اتركهم .
*- وَهِيَ تَجري بِهِم في مَوجٍ كَالجِبالِ وَنادى نوحٌ ابنَهُ وَكانَ في مَعزِلٍ يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا وَلا تَكُن مَعَ الكافِرينَ ﴿٤٢
مع ان الله عز وجل اكد لنوح مرارا ان ابنه مع الكفار المغرقين , الا ان عاطفة نوح تجاه ابنه , و العاطفة امر فطري للبشر , لا ينكرها الا شذاذ البشرية الوحوش على هيئة بشر , عاطفته تجاه ابنه دعته ان يخاطبه يا بني !! لعل احد الخوارج يسأل : اين الولاء و البراء عند نوح !! كيف يقول يا بني لابنه الكافر !!
نوح يرجوا ابنه ان اركب معنا و لا تكن مع الكافرين .
*- قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّـهِ إِلّا مَن رَحِمَ وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ ﴿٤٣
يا لوقاحة ابن نوح , يا لكفره !! ابوه النبي يرجوه ان يركب معه بالسفينة . و ابن نوح رأى العذاب بام عينه , لكن عناد الكافرين كارثة !! سيأوي الى جبل ... كم هو وقح معاند !!
*-  وَنادى نوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِن أَهلي وَإِنَّ وَعدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحكَمُ الحاكِمينَ ﴿٤٥
يا الله ... كم هي عظيمة عاطفة الانبياء !! كل الذي فعله ابن نوح من كفر و عناد , و كل اشارات الله عز و جل لنوح ان ابنه من الكافرين , و حصول العذاب الالهي , الا ان نوحا يطلب من الله ان ينجي ولده .
*- قالَ يا نوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صالِحٍ فَلا تَسأَلنِ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنّي أَعِظُكَ أَن تَكونَ مِنَ الجاهِلينَ ﴿٤٦
رد الله على نوح بان ابنك عمل غير صالح . و لا تطلب مني ما ليس لك به علم . لعل احد الخوارج هنا يؤكد ان النبي نوح ليس عنده ولاء و براء !!
*- قالَ رَبِّ إِنّي أَعوذُ بِكَ أَن أَسأَلَكَ ما لَيسَ لي بِهِ عِلمٌ وَإِلّا تَغفِر لي وَتَرحَمني أَكُن مِنَ الخاسِرينَ ﴿٤٧
نوح يستغفر ربه و يطلب منه الرحمة و يؤكد انه لولا رحمة الله به لكان من الخاسرين .
و يستشهد البعض بحادثة الصحابي الذي قتل والده في المعركة . فميدان المعركة ميدان حياة او موت , ميدان مفاصلة , وقتها الامر يكون مختلفا . و مع هذا لا تلغى العاطفة بشكل كامل في ميدان المعركة .
انها لمصيبة كبرى و كارثة عظمى , ان يتلينا الله بأناس فهموا دينهم بطريقة تؤذي المسلمين , و عقول و نفوس سوداء تجعلهم يتقربون الى الله بقتل المؤمنين .
فاذا كان هذا حال نوح النبي مع قومه الكفار , فكيف يجب ان يكون تعامل من يسمون انفسهم دعاة و مجاهدين مع الناس المسلمين , و الذين قد يكون عندهم ايمان اكثر من الدعاة و المجاهدين انفسهم بالمجمل ؟
أو :
لعل الخوارج اكثر ورعا و ولاء و براء من النبي نوح , و لعل المسلمين المخالفين للخوارج اشد كفرا من ابن نوح !!