ما بين رؤيتين :
القاعدة و هيئة تحرير الشام
بقلم : أحمد أبو فرحة
بعد خطاب
الدكتور ايمن الظواهري الاخير المنشور في 28 تشرين ثاني 2017 باتت الرؤية واضحة
عند كل من الظواهري و الجولاني , و بات ان فك الارتباط امر حقيقي غير شكلي و ان
منهج كل جماعة بات مختلفا عن الاخر . و هنا نسرد بعض الملاحظات و التعليقات المهمة بعد خطاب الدكتور ايمن الجديد .
1- هيئة تحرير
الشام مشروع سني سوري عدوه الاصلي هو بشار الاسد و تنظيم القاعدة تنظيم عالمي عدوه
الاصلي امريكا . و تعليقا على هذه النقطة , فان الدكتور ايمن يخاطب من يخاطب في
سوريا و عنده تصور ان عدو هيئة تحرير الشام و عدو السوريين الاول هو امريكا ,
فيقول لهم : " كي ترضى عنكم امريكا " . و هذا احد الخلافات المهمة بين
الظواهري و الجولاني . لقد غاب عن الدكتور ايمن ان صراع كل منطقة مختلف عن الاخر ,
فالقاعدة المبايعة لطالبان عدوهما الرئيسي امريكا لذلك من الطبيعي ان تعمل طالبان
و القاعدة في افغانستان للاستفادة من الروس نكاية في الامريكان , و ان لم يشأ
البعض تسميتها استفادة , فلنسمها غض الطرف من روسيا عن القاعدة و طالبان . فلماذا
لا يخاطب الجولاني تنظيم القاعدة و طالبان لماذا تستفيدون من الروس و هم اعداؤنا
المباشرين ؟! اذا , فلكل ساحة قتال طبيعتها و تعقيداتها و ليست افغانستان هي محور
الصراع و ليست فلسطين هي محور الصراع , فكما نستخلص ان لكل ساحة اعداء مباشرين و
اعداء غير مباشرين , فان استفاد المجاهدون من العدو غير المباشر لصالح ضرب العدو المباشر
فاين المشكلة؟
2- يصر الدكتور
ايمن الظواهري على ان فك الارتباط يكون بشرطين لا ثالث لهما , ان تذوب الجماعات مع
بعضها و ان يشكلوا حكومة اسلامية , وقتها القاعدة بحسب الدكتور ايمن الظواهري
ستتنازل عن التنظيمية . و هذا الكلام من بعيد يبدو جميلا لا لبس فيه , لكن مشكلته
الوحيدة انه غير قابل للتحقق !! اي مجاهدين سيتحدون و سيشكلون حكومة اسلامية ؟ لقد
بذل الجولاني الغالي و النفيس لاجل هذا الامر و اصطدم بما اصطدم , و اول ما اصطدم
به هم الجماعة التي يدافع عنهم الدكتور ايمن و يناصروه الآن , الذين تركوا النصرة
و فتح الشام و هيئة تحرير الشام لاجل اسباب تافهة و تحت غطاء الحفاظ على التوحيد
!! فالكلام النظري الانشائي الوردي سهل , لكن الواقع هو المهم .
3- يخاطب
الدكتور ايمن الظواهري " اخواني المجاهدين في الشام " , و هنا لا نعلم
من يقصد بالضبط , هل اخوان القاعدة المجاهدين من الفصائل الاخرى الذين بسببهم رفض
اتباع القاعدة الجدد الانضمام لهيئة تحرير الشام !! حقيقة هنا تناقض كبير جدا .
الكل يعلم ان انصار القاعدة الجدد في سوريا تركوا النصرة و ما تبعها من تشكيلات
بسبب ان الجولاني يتقرب من "الاخوان المجاهدين " في الشام , و انصار
القاعدة الجدد اعتبروا ذلك دخنا في التوحيد . بمعنى ان الجولاني عمليا تقرب من
اخوانه المجاهدين بالشام و القاعدة و انصارها هم سبب الخلاف و بنفس الوقت ينظرون
انهم يريدون الالتحام مع اخوانهم بالشام !! الا ان كان قصد الدكتور ايمن هم انصار
السلفية الجهادية في الشام هم المقصودين بكلامه اخواني المجاهدين بالشام , و هنا
نحن امام ضيق افق تنظيمي كبير تجاوزته الساحة السورية قديما .
4- يخاطب
الدكتور ايمن الظواهري و كأن القاعدة لها رصيد شعبي هائل في الشام , و هذا امر
مخالف للواقع , لأن الحقيقة تقول ان القاعدة في الشام ليس لها رصيد شعبي يذكر ,
بضع عشرات او بضع مئات , و هذا لا يقلل من شأن جهادها , لكن الحقيقة المرة التي
يتغافل الدكتور ايمن عنها ان امريكا و الانظمة العربية نجحوا في اقناع الشعوب عبر
سنين ان القاعدة سبب من اسباب البلاء و يشمل هذا اعمال غير مقبولة قامت بها
القاعدة هنا او هناك , و بسبب الكارثة الداعشية التي تأخرت قيادة القاعدة في
مفاصلة الورم السرطاني الذي نخر هذه الامة عبر بوابة القاعدة و بسب و بسبب ...
هناك اسباب كثيرة , و الخلاصة ان القاعدة ليس لها رصيد عند الناس في سوريا ,
فلماذا الاصرار على ربط مصير ملايين البشر المسلمين المضطهدين باسم القاعدة؟! هل
الاسم غاية ؟ نعم قد يكون غاية عند الكثيرين .
5- كعادة خطابات
قيادة القاعدة فانها تأتي متأخرة و غير مواكبة للاحداث و تغوص في تفاصيل تجاوزتها
الساحة قديما .من بايع من و فلان يبايع فلان و ما شكل هذه البيعة و امور لا تؤثر
علىطبيعة الصراع . ففي الوقت التي كانت
داعش تذبح المجاهدين من النصرة و الاحرار و غيرهم كان الدكتور ايمن يخاطب ابراهيم
البدري بحفيد رسول الله !! السبب ؟ ان الدكتور ايمن يعيش في عالم يحصره ببعض
الاشخاص . ما ينقله هؤلاء الاشخاص "الثقات" على ضوءه يتكلم الدكتور ايمن
. و نحن في عصر السرعة و الانترنت , و الامة تجاوزت البوتقة التنظيمية و المنهجية
.
6- للاسف تغلب
"الشخصنة" خطابات القادة و المنظرين و المشايخ , فقد ورد في خطاب
الدكتور ايمن اكثر من 18 مرة كلمة انا او ضمير الملكية "ي" , و هذا امر
يعكس ان طبيعة الصراع مع الجولاني فيها نوع من الغيرة . و هذه الظاهرة تم رصدها
عند اغلب المنظرين كبار السن , و كأنهم يستكثرون على الشباب ان يقودوا امة و ان
خبرتهم و سابقتهم و تضحيتهم ترغم الاتباع ان ينصاعوا لهم , و في عصر السرعة يثبت
من يواكب اول بأول و من يستشرف الاحداث يستحق الجدارة لا من يأتي دائما متأخرا !!
7- هدف القاعدة
هدف عام "قتال الكفار و المشركين " و هدف هيئة تحرير الشام هدف محدد
" قتال النصيرية و من والاهم في الشام " . يقال في علم المناهج و تطوير
الذات انه اذا اردت ان تضع هدفا لك , لا تضعه عاما غير قابل للقياس . فسهل جدا ان
تقول اريد ان اصبح لائقا صحيا , و لكن الاصعب ان تركض كل يوم 5 كيلومترات فتخسر في
الشهر 5 كيلو. في تحديد الهدف تكسب امرين , الامر الاول انك تحيد الخصوم و تكسب
الحلفاء . و الامر الاخر انك تكسب التعاطف كون الاهداف الخاصة اكثر تأثيرا , اضافة
الى انك تستطيع تقييم نفسك بشكل افضل. فلو جئت لاهل الشام و سألتهم عن قوس واحدة :
ما هدفكم ؟ لقالوا بصوت واحد : اسقاط النظام . و ان اي جماعة تقوم بعمليات ضد
النظام يقفون معها . فمالهم و مال امريكا و مالهم و مال اي مسألة اخرى . في
الوجدان هم مسلمون موحدون يكرهون امريكا و الصهاينة و كل من يؤذي المسلمين , لكن
الواقع فرض عليهم ان يصبوا جام كرههم للنصيرية التي اذاقتهم الويلات .
8- ان الانفكاك
عن القاعدة فعلا و حقيقة جنب الجولاني و من معه صراعات هو كان في غنى عنها و بنفس
الوقت عرى اولئك "الاخوة" الذين رفضوا الاندماج معهم بسبب القاعدة و كشف
زيف ادعائهم و كشف خبثهم , و اعطاه هذا الامر حرية اكبر للتفاعل مع الاحداث , و ما
كانت تركيا لتتعامل مع هيئة تحرير الشام لو كانت فعلا تنظيم قاعدة . و حتى اليوم
هم يعاملونهم بشكل غير مباشر . قد يقول قائل من بعيد بكل بساطة : و ما الفائدة؟
الفائدة ان صداما كان سيحدث بين الاتراك و الهيئة يحرق الاخضر و اليابس و يقتل ما
تبقى من امل للثورة بسبب اسم !
ان الامة بكل ما
مرت به من الام و تجارب تجاوزت موضوع التنظيمات و قدسية العلماء و قدسية القادة ,
اليوم الامر مختلف , الواقع من يفرض الناجح و من يفرض الفاشل , و التاريخ و البريق
و الوهج لا تنفع في خضم الاحداث الجسام التي تعصف بالامة . هيئة تحرير الشام تسير
نحو الهدف المنشود مستفيدة من كل الاخطاء و تحتاج الى من يسندها و يقف معها لا ان
يطعن بها تحت مسميات و تحت شعارات غير حقيقية واقعيا , جميلة وردية في العالم
الضيق المحصور داخل الافق الاضيق !