من وحي حرب اكتوبر 73
(حرب غزة 2012)
احمد ابو فرحة
بدأت كتابة هذا
المقال بعدما اغتالت "اسرائيل" احمد الجعبري – رحمه الله , القيادي في
حماس و بعدما ردت حماس بعنف على الكيان الغاصب مع بقية الفصائل و وصل مدى صواريخهم
إلى كل مكان في "اسرائيل" تقريبا , و لكنني توقفت عن الكتابة كي لا
استبق الأحداث و انتظر ريثما ينقشع الضباب .
شهداء و جرحى و ثكلى
و أيتام و معاقون و مناظر تقشعر لها الأبدان , في المقابل , ضربات قوية و مقاومة
غير متوقعة و استبسال في المواجهة و مناظر عز و فخار و كلمات نارية و تهديدات و
توعدات , هذا ما كان المشهد في غزة و الذي لا يستطيع أي احد ( ظاهريا ) أو
(باطنيا) إلا أن يقف مع المقاومة و بالقطع يتأثر للشهداء و ذويهم.
لكن كل ذلك لا
يمنعنا من قراءة التاريخ و استقراء المستقبل , لان التاريخ معهود عنه انه يكرر
نفسه في كثير من الأوقات , و لذلك سنستعرض احد الحروب " البطولية "
التاريخية في مسار الصراع العربي – الصهيوني , و نرى النتائج بعد الحرب و سنحاول
الربط إن أمكن .
حرب أكتوبر –
حرب تشرين المجيدة
هي الحرب المعروفة
عام 1973 التي باغتت فيها كل من مصر السادات و سوريا الأسد "اسرائيل" ,
حيث حطمت مصر السادات خط بارليف في ست ساعات و استردت فيها شبه جزيرة سيناء , و
قامت سوريا الأسد باسترداد أجزاء كبيرة من الجولان و كانت هذه الحرب في الظاهر
ضربة قوية لإسرائيل و استعاد العرب جزءا من أمجادهم البطولية , و كان للبعد الديني
أثره آنذاك بحسب رأي الكثيرين , فكلمة " الله اكبر " كانت لها وقعها على
المحتل .
أيضا كانت تلك
الحرب قصيرة نسبيا , بضعة أيام , و لم يكن العرب معنيون في التحرير الكامل كما هو
ظاهر , إنما كانت أشبه بمهمة و انتهت , و قد مهدت تلك الحرب " البطولية
" التي كان بها شهداء و تضحيات إلى صياغة اتفاق ( كامب ديفيد ) الغني عن
التعريف و الذي لا زال ساريا إلى الآن , و الذي يظل موجودا بتغير الأنظمة و أشكالها
و توجهاتها .
و ما كان للعرب
القادة أن يوقعوا أي اتفاق ( خياني ) طويل الأمد و حاسم بدون ثمن أو مقابل , و كان
لا بد تغطية نفسية و شعبية لأي اتفاق , فكانت حرب أكتوبر 73 .
و اللافت في الأمر
, أن هذه الحرب كانت و لا زالت مجد يتغنى و يحتفل به كل سنة , و غطاء وطني و قومي إلى
ابد الآبدين .
و بعد الحرب
المجيدة ( أكتوبر – تشرين ) , شكرا روسيا على دعمك للعرب و مهما ستفعلين فيما بعد
في المسلمين سيظل القومجيون يتغنون بك على دعمك , و سنظل نقارنك بدول الخليج
العميلة , و سننسلخ من إسلاميتنا لأجل ذلك الدعم !! و شكرا تشيكوسلوفاكيا على دعمك
لمصر أيضا .
إذا فبسبب الحرب
المجيدة التي عمرها يراوح الأربعين عاما , لا زال المسلمون يعانون من ويلات (
تبعات ) هذه الحرب , و هذا تاريخ لا يحتاج إلى إثبات , نكتفي فقط بتذكره و قراءته.
حرب غزة 2012
"إسرائيل
" تغتال احمد الجعبري , ثم " تتفاجأ " برد فعل المقاومة , ثم "إسرائيل"
تطلب هدنة , فترفضها المقاومة !! ثم تواصل المقاومة قصفها و في كل مكان جديد تصله
الصواريخ تتفاجأ إسرائيل من رد الفعل و يسقط قتلى و جرحى من الصهاينة كل يوم , ثم
وساطة مصرية مباركة , أعادت إلى مصر دورها الإقليمي المجيد كما قال هنية رئيس
حكومة حماس , ثم زيارات عربية رسمية إلى قطاع غزة للتأييد و المؤازرة .
أما عن المعطيات
الموجودة و الظروف ما قبل هذه الحرب نجد التالي :
*)حماس مستعدة
لضبط الوضع في غزة و منع إطلاق الصواريخ و منع العمليات , طبعا مقابل ثمن سياسي
لحماس يضمن بقاءها في الحكم .
*)لا معنى لحصار
غزة الآن من الناحية الإستراتيجية , لان حماس و حلفائها قد تسلحوا جيدا و دعموا
بشكل جيد .
*)مصر اليوم
الاخوانية تعطي قوة لحماس سياسيا و اقتصاديا أكثر من ذي قبل.
*)حماس شعبيتها
متناقصة ( قبل الحرب الأخيرة ) , بسبب ضبط الحدود دونما ثمن و الالتزام بالهدنة من
طرف واحد و قمع كل من يحاول خرقها و مطاردتها للسلفيين و قادتهم , حتى أن احد
قادتهم و قبل أن تغتاله إسرائيل , كانت حماس قد نشرت له صورا بدعوى انه مطلوب قبل أيام
من اغتياله .
*) في المقابل
عنجهية الشعب الصهيوني لا تقبل بالاتفاق مع العرب , و كان لا بد من تحسيسهم أنهم
تحت الخوف , حتى أن صفارات الإنذار قد دوت في مدن و مناطق لم تصلها الصواريخ , حتى
يشعر الشعب الصهيوني أن أي اتفاق مع الجانب العربي سيكون ضرورة و لن يعترض اغلب
الصهاينة على الاتفاق , اذا فهي مسألة إشعار العرب بنوع من المجد و إشعار اليهود
بنوع من الجبن و التركيع , فيكون الاتفاق طويل الأمد هو الحل المرضي لكل الأطراف .
كل هذه الأمور
كانت في الحسبان و لم يبق إلا شرارة الانطلاقة , و بعدها ستكون ردود الأفعال ضمن
المنظومة الطبيعية لجريان الأمور , و لا يظن ظان مغفل أن المقصود بنظرية المؤامرة
المتبعة هنا هي تحريك جميع الأطراف ضمن الريموت كنترول أو مثل حجارة الشطرنج , لا
فهذا غباء , هنا الذي يحدث هو ( فكرة ) يقوم بها طرف معين ثم تسير الأمور بشكل
طبيعي ثم نحتاج إلى لحظة ( الإنهاء ) , إذا فهي مسألة لحظات في البدء و لحظات في
الانتهاء , ما عدا ذلك كله طبيعي .
و في نهاية الحرب , شكرا ايران على دعمك العسكري , شكرا مصر على دورك الرائد , و في ذلك الشكر تزكية من ارباب المقاومة لتدعم مواقفهما السياسية ايا كانت , سواء لمصر او لايران .
أما ما هو متوقع
من حماس بعد هذا الاتفاق , هو ما كان يحدث من قبل مصر و سوريا بعد حرب 73, إذ سنجد
ملاحقات أمنية عنيفة لكل من تسول له نفسه ضرب "إسرائيل" حتى لو بحجر ,
سيكون ضد الإجماع ( الوطني ) و بنظر الكثيرين لن يستطيع احد المزاودة على حماس
المنتصرة , ثم ستكون فترة راحة و استقرار في غزة بعد كل الذي عاناه الشعب الغزي ,
و سيحدث في كل سنة احتفالات و تمجيدات لهذا الانتصار , و ستكون هذه الاحتفالات
عملية تعبوية لحب حماس و ستنشأ أجيال على هذا الأمر , كما نشأت أجيال بعثية على أمجاد
حرب تشرين , كما نشأت أجيال مصرية على حب الجيش المصري بعد حرب أكتوبر .
و يبقى الخاسر الأكبر
, هو الشعب المسلم الذي يقاد و يتاجر به و هو لا يدري أو يدري فليس ذلك بالمهم ,
المهم أن هذا الشعب هو سلم الوصول للبعض , اسأل الله أن تملك الشعوب المسلمة
قرارها و يسخر لها من يقودها إلى مرضاة ربها بتطبيق شرعه , فينجو و ننجو , انه
القادر على كل شيء.
22 – نوفمبر -
2012