رسالة الظواهري من الورق إلى الصوت
بقلم : احمد أبو فرحة
بعد الفتنة التي حدثت بين مجاهدي الشام في أوائل نيسان 2013 بإعلان
الشيخ البغدادي إلغاء اسم جبهة النصرة و إلغاء دولة العراق الإسلامية لتصبح
"الدولة الإسلامية في العراق و الشام " و من بعدها رد الجولاني بأدب برفض
قرار الانضمام و رفع الأمر للشيخ الظواهري و بايع القاعدة , جاء رد الشيخ الظواهري
برسالة مكتوبة وصلت لأطراف النزاع عبر القنوات المعتمدة للقاعدة , و صل الشيخ
الجولاني نسخة و وصل الشيخ البغدادي نسخة و أبو خالد السوري نسخة . و كانت الرسالة
تقتضي أن يعود الأمر كما كان عليه قبل الاندماج المعلن من البغدادي و وقف الجدال
على الإعلام و على الملأ , و هذا السبب
الذي دفع الشيخ الظواهري لكتابة رسالة خطية .
و لكن جاء رد الشيخ البغدادي غريبا , فأولا شكك في الرسالة و صحتها ,
مع العلم انه يعرف مدى صحتها . ثم ثانيا , بدا للمستمع كأن دولة العراق الإسلامية
لا تتبع القاعدة تنظيما . و ثالثا و الأهم كان هناك تجني على الشيخ الظواهري و
اتهامه بأن الرسالة تحوي مخالفات شرعية و أن الشيخ الظواهري لا زال يتأثر بسايكس
بيكو !!
كون الرسالة كانت مكتوبة , و كون جبهة النصرة من قام بنشرها على الأفراد
و وصولها للإعلام , ظل كثير من الشباب الجهادي حائرا من المسألة , فكلام الشيخ
البغدادي و من ثم العدناني و ردهما يوحيان أن الرسالة كاذبة أو إن صحت ففيها من
المخالفات الشرعية الشيء الكثير . لكن يبقى للشيخ الظواهري اسمه و مكانته العالية
لدى التيار الجهادي , فهو رأس الجهاد العالمي و أمير تنظيم القاعدة الذي له فروع
كثيرة في العالم و يسعى لوصول حاكمية القرآن للحكم .
بعد ذلك , بدأت الخلافات الفكرية تتزايد بين أنصار القاعدة و أنصار
الدولة , فبرزت كتب كثيرة كتبها أعضاء في الدولة الإسلامية أو مفكرين محسوبين
عليها تدعوا الشباب الجهادي و غيره إلى بيعة البغدادي , و ساقوا الأدلة الكثيرة
على وجوب البيعة للبغدادي أهمها انه قرشي النسب , في دلالة إلى أن البغدادي أميرا
للمؤمنين .
و في الثامن من شهر نوفمبر 2013 , نشرت الجزيرة نسخة مسجلة للرسالة
المكتوبة من الظواهري بصوته , و بالطبع فان الهجوم على الجزيرة و اتهامها بالخبث و
العمل على الفتنة بين المجاهدين أول رد على خطاب الظواهري الصوتي . لكن المتتبع
للتسجيل الصوتي الجديد للظواهري يرى التالي :
1- تبعية دولة العراق الإسلامية للقيادة الرئيسية للقاعدة , و هذا
الذي حاول كثير من أنصار الدولة إنكاره و رده , لكن كلام الشيخ الظواهري لا يحتمل إلا
كذبا أو صدقا , و ما عهدنا على الشيخ الظواهري كذبا , و نص الخطاب أتى بلغة الأمر
, و كما انه قال : " اخطأ الشيخ البغدادي الحسيني في إعلان الدولة الإسلامية
في العراق و الشام دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا بل و دون إخطارنا" . فما معنى
دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا أو حتى إخطارنا ؟؟ إن لم يكن للشيخ الظواهري سلطة فلماذا
هذه الصياغة ؟
2- مضمون الرسالة واحد , لكن النص مختلف , ففي الرسالة الخطية ذكر أن
" أبو خالد " السوري سيكون حكما بين الطرفين , و في الخطاب الصوتي لم
يذكر اسم أبو خالد السوري , في إشارة إلى عدم جدوى وجوده و عدم إمكانيته لحل
النزاعات .
3- تبني جبهة النصرة كفرع للقاعدة في سوريا , و أن نهج جبهة النصرة هو
النهج الذي تتبناه القاعدة الأم في حشد الناس و العوام ضد الطاغوت و الرفق في دعوتهم
و أن وصول الإسلام للحكم هو الغاية الأسمى و ليس فقط وصول تنظيم معين و إن طبق أحكام
الله . و بعد ذلك التركيز على قضية القاعدة الجديدة في إيجاد الحاضنة الشعبية لها
في سوريا .
4- يأتي التسجيل الصوتي بعد أكثر من رسالة و توجيهات لأكثر من عالم
معتبر من رموز التيار الجهادي , نذكر منها رسالة الشيخ الطريفي , و رسالة أبو
الوليد الغزي الأنصاري , و كلام الشيخ حامد العلي , و رسالة الشيخ المقدسي , و
رسالة أبي قتادة , و رسالة الشيخ الحدوشي التي اثنت على رسالة أبي قتادة . و كانت
فحوى جميع تلكم الرسائل : يجب أن تكون الجهود موحدة و يجب أن يكون الجهاد أممي
شعبي و بعدها يختار الشعب بوجود الكتائب الإسلامية قائدا له يحكم شريعته , و عدم
فرض أي حاكم فرضا على الشعوب , و أن البيعات اليوم هي بيعات قتال و حرب لا بيعة
خلافة كما يروج أنصار الدولة .
5- أكد الشيخ الظواهري على جواز القتال تحت أي راية إسلامية هدفها إعادة
سلطان الله في الأرض , نافيا حصر مفهوم الطائفة المنصورة على جماعة معينة كما
يحاول بعض أنصار الدولة إسقاط هذا المفهوم على تنظيم دولة العراق و الشام الإسلامية
في قوله " لا يعد خارجا من ينتقل من
جماعة جهادية إلى أخرى و من جبهة إلى أخرى ". و مؤكدا أن القاعدة تقبل القسمة
على الجميع و لا تريد أن تستأثر بالحكم , و مؤكدا أيضا على أن ليس كل من ضد الدولة
الإسلامية جاسوس أو مخترق أو عميل أو عاصي !!
6- تعظيم حرمات المسلمين و عدم إراقة الدماء المسلمة إلا بعد قضاء
شرعي واجب و إلا ستقف قيادة القاعدة موقف شديدا أمر بالمعروف و نهيا عن المنكر , و
هذا من أهم البنود التي قالها الشيخ الظواهري تلافيا لا قدر الله لأي شيء قد يقع
مستقبلا .
7- الشيخ الظواهري يرد في رسالته الصوتية ذات التوقيت الجديد و
المضمون القديم على كثير من المعرفات و الحسابات و الأسماء على الشبكة العنكبوتية التي
تعيث فسادا و تفسق هذا و تكفر هذا و تخون هذا و تتطاول على هذا باسم مناصرة الدولة
الإسلامية , و الدولة الإسلامية منها براء , موضحا للمرة الألف منهج القاعدة الذي يدعوا إلى الوحدة و الألفة و الإحسان
إلى الناس و الرفق بهم و مخاطبة الناس على قدر عقولها ليصلوا بهم و معهم إلى حلم
الدولة الإسلامية الشاملة التي ستقض مضاجع اليهود و الصليبيين و تسلم الراية إلى
عيسى ابن مريم .
8- تأكيد الشيخ الظواهري على مصطلح "الولاية المكانية "
سواء للشام أو للعراق أو أي مكان تتواجد به القاعدة مراعاة لافهام الناس و طبيعة
الناس في كل بلد , و هذا ليس من رواسب سايكس بيكو كما يسوق البعض !! بل هي فهم
السياسة الشرعية بشكل صحيح .
9 – الشيخ الظواهري يثبت نفسه قائدا للمجاهدين في كل العالم و انه
صاحب الكلمة الفصل , و الشيخ الظواهري معروف معلوم و عبق سيرته أسمى من أن يلمزه لامز
. الجهاد يحتاج إلى رأس و قيادة , و التسجيل الأخير يثبت من هي القيادة .
و أخيرا , ردي على من سيرد علي في مقالتي هذه , قائلا : ( باااااقية
رغم أنوف الحاقدين ) , و هذا الرد الذي تعودنا عليه بعد رسالة أي شيخ أو عالم . أقول
له : إن شاء الله يا أخي ستظل باقية و هذا أملنا , و نحن لسنا حاقدين , إنما أملنا
أن تستمع الدولة الإسلامية إلى رأي العلماء و شيوخ الجهاد و أن تترك الحزبية , و أن
تكون جزءا هاما من مكون الدولة الإسلامية المقبلة إن شاء الله , لا أن تكون هي
"الدولة الإسلامية " و ما سواها سهل الطعن به . هذا أملنا و إن شاء الله
باقية , باقية , باقية .
8 – تشرين الثاني - 2013