الشباب المسلم في بلاد العجائب
بقلم : احمد ابو فرحة
كتبت منذ سنتين
و نصف تقريبا مقالا بعنوان "اسلاميو مصر في بلاد العجائب" , حيث تطرق
المقال لحالة الشباب الاسلامي بشكل عام بعد الثورة المصرية , حيث كان الشباب
الاسلامي في مصر يستعدون لخوض غمار حرب الانتخابات البرلمانية و كيف ان الاسلاميين
سيفوزون و ما آلية تطبيق الشريعة التي سيحكمون بها و متى سيأمرون جيش مصر العظيم
بتحرير القدس!! .
ذلك النوع من
التفكير دفعني ان اشبه أولئك القوم بالفتاة التي صنعت لنفسها عالما خاصا بها الى
الحد الذي لم تعد تفرق بين الخيال و الحقيقة . و للعلم فإن هذه الظاهرة تسمى في
علم النفس متلازمة أليس . كان وقتها يهولني حجم الاندفاع و الانجراف الذي طغى على
التيار الاسلامي و شبابه من سلفيين و اخوان و حتى من الجهاديين . و اتسائل و اقول
: اين عقول اولئك الشباب من تلك المؤامرة التي تحاك ضد الاسلام و اهله ؟ و أي نوع
من التفكير يسوقهم ؟
في المقابل , لم
يكن التيار التكفيري قويا , انما بضعة افراد يصرحون بحرمة الديمقراطية و كفر كل من
يخوض فيها . اولئك كانوا خارج المعادلة اصلا. و كان النقد الذي يسلطه ابناء الحركة
الاسلامية الرافضين للعملية الانتخابية و المقتنعين بكفر الديمقراطية و لكن في نفس
الوقت يعذرون بالجهل من يسلك مسالكها تأولا , اولئك كانوا يرمون تارة بالوقوف ضد
المشاعر الاسلامية المتمثلة في اتحاد شباب التيار الاسلامي في صف واحد ضد
العلمانيين و اذناب الغرب , و تارة يرمون انهم تكفيريرون يأخذون عن قوس واحدة مع
براثن التكفير الحقيقية . خلاصة الامر , ان الناصحين دون افراط او تفريط كانوا
غرباء في وقت من اوقات جنون التيار الاسلامي عموما غير قادرين على صد الانجراف
الهائل الذي مال اليه الشباب في ذلك الوقت .
تمضي الايام و
الشهور , و ابناء الاخوان في مصر منتشون بحكم رئيسهم محمد مرسي و الذي يرون فيه
احد الخلفاء الراشدين و من خلفهم السلفيون , و كان انتقاد مرسي في ذلك الوقت ,
كفيلا ان ترمى باحد تهمتين من التيار الاسلامي : اما انك عميل او انك تكفيري . طلب
منا الاخوان وقتها ان نفرح لمحمد مرسي الاسلامي العابد الزاهد في نفس الوقت الذي
يقود بها حملة بنفسه ليقصف اوكار الارهاب في سيناء . ارادوا ان نصاب بالفصام في
مشاعرنا , نحبه لانه اسلامي , و نبغضه لانه يقتل المجاهدين !! كيف لذك ان يستقيم ؟
ظل الاخوان و من معهم في نشوتهم حتى اتت ليلة ظلماء سال فيها دم المسلمين في رابعة
, من السيسي الذي قلده مرسي بنفسه منصب رئيس اركان الجيش . كان انتقاد السيسي يجلب
لك الشتائم عند شباب الاخوان , فكيف تنتقد من رآه "الملهم" كفؤا لهذا
المنصب ؟ و لسان حالهم يقول : انت لا ترى ما يراه المرشد ! ظلوا ينتشون بزهوتهم و
عنتريتهم حتى اصبح ذكرهم مرتبطا بالمسحولين و المقتولين و المسجونين و بالنساء
المغتصبات . لا حقا ارجعوا و لا دفعوا باطلا و لا اقاموا دولة و لا فعلوا أي شيء .
فقط ارادوا ان يعيشوا في عالمهم , يطلبون منك ان لا تنغص عليهم شيئا .
و ما اشبه اليوم
بالبارحة , لكن هنا ندير عجلة التاريخ , من اليسار الى اليمين . في فتنة اشد , و
في ليل احلك , و في نهر اكثر تدفقا بالدماء , و في مناظر اقبح , و في فصام اخطر و
اشد , نتوجه الآن الى لعنة اللعنات , الى فتنة الخوارج .
الشباب الاسلامي
هم البطل مرة اخرى , لكنهم الان انتقلوا من مرحلة الى مرحلة . هم في عمومهم من
الذين مشاعرهم اسلامية و يريدون اسلاما و حكما اسلاميا , هم انفسهم الذين لا
يقبلون نقدا لمركز احلامهم , هم انفسهم الذين يصابون بوباء جماعي , هم انفسهم
اليوم من هم وقود لداعش . مرة اخرى , يطالبونك بالصمم و العمى و الطرش الا للذي
يريدون . لا تفسد علينا احلامنا و الا رميناك بتهم كثيرة . اما عميل او مرتد او
مشوه .
يريدوننا ان
نعبث بمشاعرنا كما يعبثون هم , او يقتلون الحقيقة التي تظهر على استحياء . يجب
علينا ان ننصر داعش , فها هم الشباب المسلح بالعقيدة يخوضون غمار الحرب ضد
الشيوعيين و الملاحدة و النصيرية و الشيعة و المالكي و امريكا و 40 دولة معها ....
كيف لك ان تقف ضد اولئك ؟! اما انك منتكس او مرتد عميل ... يريدوننا ان نغض الطرف
عن مشاعرنا الممزقة تجاه اهل السنة في الشام و من قبلهم في العراق , الذين ليسوا
مع داعش .فلا قيمة لاي انسان تقتله داعش بنظر اولئك الشباب . يريدوننا ان نحبهم في
قتالهم ضد البككة , و في نفس الوقت نكرههم لانهم يهاجمون جبهة النصرة في حلب و دير
الزور و يذبحونهم !! ليت بالامكان ان نصبح فصاميين مثلكم , او عميان لا نرى الا ما
يسمعه ايانا احبابنا . ليتنا مثلكم , ليتنا ندخل عالمكم الخاص و نسرح و نمرح في ظل
الخلافة ارض السعادة – جنة الله في الارض . ليتنا كذلك , لارتحنا قليلا و شعرنا
بطعم السعادة , فالمجنون كثير من المرات يحسد على ما فيه .
الغرب يمكر و
يخطط و يرسم , و نحن نكتفي بالفرح بتسجيل الاهداف التي تسجل في بعضنا . ذلك لا يغير على الواقع شيء . البلاد كما هي
تحكمها الطواغيت بقبضة من حديد و المسلمون مستضعفون مذبوحون اينما كان , كل شيء لم
يتغير سوى انكم تحكمون في الوقت بدل الضائع في المكان الضائع . ما هي الا معادلات
اممية قذرة بين اطراف كثيرة متصارعة كان كل منها يفكر كيف يمكن ان يستفيد من داعش
قبل ان ينقض عليها . النظام السوري ارادكم لسحق المعارضة ثم يجلب الكون جميعا
للقضاء عليكم . و سنة العراق ارادوكم اداة لرد قهر الشيعة الاراذل الانجاس الذين
ساموهم الويلات , فحتى عملاء السنة لم يسلموا من افتراس وحوش الشيعة , و كان حال
لسان سنة العراق نار داعش ولا جنة الروافض . اذا هي مسألة وقت بالنسبة لهم .
الامريكان ارادوا داعش لامور كثيرة . اولا : فان صلاحية الانظمة الطاغوتية العميلة
اصبحت منتهية و اصبح القاصي و الداني يقر انهم جواسيس . لذلك فيا شعوب المسلمين
خذوا داعش ممثلكم اليوم و اكتووا بنارها , حتى اذا صرختم لن تجدوا الا نحن
نستئصلها لكم لكن اليوم بثمن اكبر و طريقة مختلفة . ثانيا , فان ايران لا بد لها
من تأديب , اذ ينصحهم الامريكان بعدم الطائفية و هم يصرون الا قتلا و تنكيلا
بالسنة لغريزتهم الطائفية , و هذا يسبب نفور جواسيس اهل السنة , فكان لا بد من غض
الطرف عن داعش بعدتها و عتادها حتى يؤدب اولئك الايرانيون و من معهم من الشيعة . و
لعل متسائل يقول : كيف غض الطرف عن داعش و اليوم امريكا تقصفها بالطائرات ؟ نقول
رحم الله ايام العولقي , حيث استشهد بين اعالي الجبال حيث الله وحده يعلم اين كان
- ومن ثم قلة قليلة يعلمون اين كان- . رحم
الله ذلك الزمن , الذي تستنفر فيه امريكا لاجل صاروخ( ستنغر) وصل الى افغانستان !!
رحم الله تلك الايام و عوضنا عنها بالمجاهدين الذين يغنمون الطائرات و الدبابات و
المدافع بالمئات تنتقل حيث تريد لا حسيب و لا رقيب , تنتقل من العراق الى الشام .
لا احد يعترضها . لعل الله اعمى قلوب الامريكان عنها !! سبحانه وحده لا شريك له !!
ثالثا : ارادت
امريكا و النظام العالمي ان تكون الشام و العراق مقبرة للجهاديين الجدد , ينفرون
من بلدانهم لا احد يعترضهم تدخلهم تركيا بالآلاف . هي فرصة للانظمة الطاغوتية كي
تعمل حجامة لما تسميه دما فاسدا .
رابعا : و هذه النقطة لا تقل اهمية , فان امريكا
و الغرب يعانون من ازمة معضلة بالنسبة لهم , و هي دخول النصارى بكثرة للاسلام .
يحدث هذا دون عنف ولا ذبح , سنة الله يريدها لعباده الذين اصطفاهم . و افعال داعش
يتم تضخيمها و شنائعهم يتم تسليط الضوء عليها , و اضف الى هذا كم كبير من التشويه
و الاضافة و الكذب , عنوانه الكذب على داعش و حقيقته المكر بالاسلام و اهله و
تشويه هذا الدين النقي الناصع .
هذه هي مشكلة
الشباب الاسلامي عموما عواطف دون مضمون , و احلام دون اساس منضبط , و انقياد برغبة
حيث اريد ان يكونوا برغبة , و رفض للنقد و عمى عن بصيرة , و طرش بعد سماع . لا
تفسدوا علينا فرحتنا , نحن قوم نريد العمل و سئمنا التنظير , نريد ذبحا , نريد
سلخا , نريد تفريغ قهر طويل , نريد ان نمجد من نراه مثالا يحتذى , لا تشغبوا علينا
, و الا رميناكم باقذع الصفات و شتمناكم .
يكفي ان نقول ان
الله قد تكفل بحفظ هذا الدين , و لو ان هذا الدين حمله رجال ايا كانوا لضاع كما
حرفت الاديان التي قبله , لكن ميزته , انه جل في علاه حفظه و وعدنا بالعيش تحت ظل
عدله . فليحلم كل حالم بما يشاء و ليعمل كل كيفما يريد . ان هذا الدين منتصر بمن
نصره عدلا و علما و حلما و جهادا و دعوة . انه لمنصور.