الفصائل الشامية المتناحرة - الصراع الوجودي
تعليقا على
الازمة الفصائلية في الشمال المحرر
بقلم : احمد ابو
فرحة
يتابع انصار
الثورة السورية في العالم تطورات الازمة الفصائلية في ادلب و الشمال السوري ببالغ
الترقب و الحزن . و لا شك ان اي اقتتال بين المسلمين داخل الثورة سيراق فيه دماء و
تزهق فيه ارواح الثورة السورية اولى بها . و ان اي جهد لا بد ان يكون ضد الغزاة و
ضد حلف الشيطان في سوريا . لكن ايضا لا بد من معرفة طبيعة الصراع اصلا بين الاطراف
الثورية السورية حتى يسهل التوصيف ثم العلاج . تابعت ايضا دور المشايخ المصلحين في
الثورة منهم الشيخ الفاضل عبد الرزاق المهدي و الشيخ ابو محمد الصادق و الشيخين
العلياني و المحيسني بارك الله فيهم جميعا . و لا شك انهم اصدق بكثير من كل اطراف
الثورة المتنازعة بما فيهم هيئة تحرير الشام . لكن الصدق و الاخلاص وحدهما في عالم
مزروع بالالغام و في محيط مشحون و ضمن اطراف ماكرة و ضمن تعقيدات لعبة سياسية
خطيرة و معقدة لا يعرف فيها كل طرف ما يريد و ما يمكر و ماذا ارتباطاته و ما هي
اهدافه و كثير من الدهاء .... هنا الصدق و الاخلاص و النقاء لا تكفي مجتمعة .
القضية اكبر من قصة تتذرع بها هيئة تحرير الشام او موقف يسجل هنا و هناك ضد او مع
, و القضية اكبر بكثير من حادث يتهم فيه طرف الطرف الاخر . و ان الغوص في تفاصيل
الاحداث "البسيطة" مع الاحترام الكامل لمشايخنا يرجع بالاذهان الى
النقاشات الشرعية التي كانت تخوضها اطراف ثورية و اسلامية و جهادية ضد داعش و
افعالها . حينما كانت داعش تفعل الافاعيل و يغوص البعض في تفاصيل هذه الافعال هل
هي شرعية ام غير شرعية و ما الدليل على شرعيتها او الدليل على عدم شرعيتها !! نوع
من السذاجة في التعاطي مع اخطر ظاهرة واجهت الثورة السورية , فكر خوارج مدمر يزهق
الارواح له ارتباطات خطيرة هدفه انهاء الثورة , و التعامل معه ليس بالرد العلمي !
او التفنيد الوقائعي .
لا بد من الرجوع
الى اصل القصة و اصل المشاحنات و لا بد من قياس حجم النفور و طريقة التعاطي مع
الاخرين فنعرف هل سيكون صلح حقيقي اصلا بينهم ؟ ام انها مشاريع متضاربة هدفها
افناء المشاريع الاخرى ؟ هل القصة اصلا مظالم و وقائع ام صراع انهاء وجود ؟ و
لماذا حتى في قمة التآخي لم تشكل محكمة مستقلة تجمع الاطراف جميعها ؟ هنا نكتشف ان
الاطراف جميعها كانت تعرف بعضها و نوايا بعضها و كانت و رغم التآخي الموجود تؤجل
الصراع بينها . اذكر عندما تحالف الزنكي مع النصرة سردت حسابات لاحرار الشام و
غيرها وقائع عن حسام اطرش القيادي في الزنكي انه رجل مصالح و حتى انهم حذروا
النصرة منه . و النصرة ايضا بتحالفها معه تعلم من هو و من الزنكي . و الزنكي
بتحالفه من النصرة يعلم من هم النصرة . و اليوم حلفاء الامس اضداد اليوم . اذا
فالصراع من بدايته و ان لم يكن ظاهرا هو صراع وجود . ان محاولة الجولاني التحالف
مع احرار الشام و رفضهم له , كان معناه انك لست من اطراف الثورة السورية اصلا , و
انك يوما ما لن تكون لا انت و لا جماعتك , و انك مصنف ضمن لوائح الارهاب و يوما ما
ستقصفك امريكا و معناه بالمحصلة انك يا جولاني لن تكون على الساحة لكننا ننتظر تلك
اللحظة . من لم يفهم الرسالة هذه بهذا الشكل فهو قاصر بالقراءة لا يقرأ ابعد من
انفه . مع كل هذا حاول كل من له ذرة عقل و دين ان يرأب الصدع بين المتخاصمين و ان
يتغنى ببصيص امل رباني عله يصلح الاخوة المتفرقين . هذا هو الصراع من اساسه صراع
وجود و وبقاء و اقصاء عند كل الاطراف . و لا يعفي الجولاني و الهيئة من تقصيرات في
تطبيق الاتفاقيات و من خروقات و تعديات هنا و هناك , شأنه شأن اي فصيل في الساحة .
تكلمت شخصيا مع قيادي بارز في الاحرار و قال لي حرفيا : "و الله يا اخي لا
نملك حتى البندقية ندافع بها عن انفسنا لان الجولاني سلبها" "و الذي بقي
معنا اسلحة صغيرة و متوسطة لا تكاد تدافع عن احد " ! و اليوم دبابات و قاذفات
ظهرت فجأة تقصف الجولاني ! لسنا هنا بصدد التبرير للجولاني بغيه او سلبه للاخرين ,
انما توضيحا لمفهوم الصراع اصلا بينهم .
و عندما خاض
الجولاني معاركه ضد النظام اتهم بالعمالة و التسليم و لم يشاركه احد بالمعارك .
فالقصة قصة من هو الرأس , من الذي يقرر السلم و الحرب في الثورة السورية . من يبسط
مشروعه و اجنداته . هنا يصبح الحديث عن محاكم شرعية و عن صلح مثل ابر التخدير .
ليس هكذا يكون الصلح . و للتوضيح اكثر و للتقريب سأذكر الصراع بين فتح و حماس في
فلسطين و لماذا لا يوقعان اتفاق و لماذا على الاعلام فقط يتصورون بانهم مصطلحين .
الجواب لن يكون هناك صلح بين حماس و فتح لانهما مشروعان مختلفان . لان فتح مستعدة
ان تقف مع العرب في ضرب حماس و لان حماس مستعدة اذا توفر لها الظرف – و لن يتوفر
في الضفة – ان تحسم الضفة كما غزة . و مع هذا كله , فان صراع فتح و حماس اهون
بكثير من صراع الفصائل المتناحرة في الشمال السوري . على الاقل في فلسطين فتح و
حماس . طرفان فقط . لكن في الشمال السورية عدد الاطراف و التجاذبات و المشاريع
اكثر بكثير .
فان اراد احد من
المشايخ الكرام او غيرهم ان يبرموا صلحا بين الهيئة و غيرها من الفصائل , لا بد من
ضمان – و هذا حق الهيئة – ان الهيئة طرف ثوري و كبير و انها ستكون مأمونة الجانب
من قبل هذا الفصيل او ذاك . و الا فالحديث عن صلح او محكمة فهو ضرب من ضروب العبث
.
في الثورة
السورية ليس هناك الا حلين . لا ثالث لهما . الصلح بين الفصائل المتناحرة – و هذا
ثبت استحالته مع احترام كل من يمشي في هذا الاتجاه – و الحل الاخر ان يبسط فصيل او
تجمع سيطرته على الارض بالتغلب . و لنا في تجربة القسام في غزة و في طالبان عبرة .
و لأن يقال هيئة تحرير الشام باغية متغلبة اهون ان يقال انها ساذجة و اضاعت تجربة
جهادية مميزة – بكل ما حوته من سلبيات و قصور – و ماذا يفيد الهيئة اذا تغلبت
عليها الفصائل – المتناحرة اصلا- قول المشايخ حينها : نعم الهيئة مظلومة , بعد
فوات الاوان ؟!!
اصل الصراع
الوجودي بين الفصائل يمكن ان يحل بتغيير القادة – و هذا مستحيل – او بتغيير
الاجندات – و هذا مستحيل – او ان الله سبحانه و تعالى يبدلهم جميعا بقدرته و حكمته
. هذا هو اصل الصراع و اي خوض في تفاصيل ثانوية عبث لا قيمة له .