الخميس، 20 يونيو 2013

السلفية الجهادية بين منهجين – حقيقة لا مفر منها



السلفية الجهادية بين منهجين – حقيقة لا مفر منها
احمد ابو فرحة
ترددت كثيرا قبل أن اكتب , لكن بما أن المسألة أصبحت على الإعلام , و خطأ القادة بعضهم و انقسمت الكتائب , و خاض في الموضوع من خاض و تكلم به من تكلم , فلا ضير من قليل من التحليل و الله المستعان .
قد يكون عام 2013 هو العام الأكثر خطورة في تاريخ العمل الجهادي , ليس من  اختلاف الأفكار و الرؤى , فهذا أمر طبيعي فطري بين البشر و لو كانوا في نفس التنظيم . لكن المسألة العظمى هي بروز تلك الاختلافات و الرؤى على الإعلام و حدوث انقسام فعلي في معسكر المفترض انه واحد و يسعى لتطبيق هدف واحد .
و سأحاول أن أكون موضوعيا جدا في نقاش ابرز نقاط الاختلاف بين منهجي السلفية الجهادية حتى و إن كنت ميالا لطرف على حساب طرف و هذا أمر وارد , لكن من أدبيات الكتابة أن يكون الكاتب موضوعيا و يتحرى الدقة و الصدق .
السلفية الجهادية اليوم أضحت بشكل واضح بين منهجين مختلفين تماما , و إن اتفق المنهجان في الفكرة و العقيدة و الهدف , لكن الأسلوب و هو عامل مهم جدا في تطبيق المنهج , مختلف جدا .
نحن الآن ما بين منهج نخبوي يخاطب الفرد المنضوي تحت الجماعة بصفته نخبة و هو العامل الأهم في الصراع – بحسب رؤيتهم , و منهج عمومي يخاطب عموم الناس و مشاعرهم و يحاكي عقولهم و يكسب محبتهم مع الحفاظ على الثوابت العقائدية و الفكرية .
و قبل الدخول إلى قضية الملف السوري – الأزمة بين دولة الإسلام في العراق و الشام و جبهة النصرة , لا بد لنا من إلقاء الضوء على نماذج السلفية الجهادية في العالم العربي و بقية العالم .
نبدأ من مصر , حيث نرى الدكتور محمد الظواهري و الدكتور احمد عشوش ينزلون إلى ميدان التحرير و يشاركون في المظاهرات التي تدعو إلى إقامة حكم الله في مصر طبعا مع ثلة أخرى من المشايخ الكرام , يناقشون العلمانيين و الإخوان و غيرهم و يظهرون على شاشات التلفزة و خطابهم موجه للعامة للتحبيب في منهج السلفية الجهادية . ففي احد المناظرات التلفزيونية على قناة الرحمة التي تمت بين الشيخ احمد عشوش و الشيخ جلال أبو الفتوح مع شيوخ آخرين , كان الشيخان يتجنبان و بذكاء الهمز و اللمز و قضية التكفير بالتحديد , و ذلك كي لا يقعوا ضمن المصطادين في المياه العكرة و حتى لا يؤول كلامهم . و ليس ذلك خذلانا للدين إنما محاولة للتقريب من فهم الناس و محاولة للابتعاد عن كم التشويه الإعلامي القذر عبر عقود للسلفية الجهادية بالذات .
ننتقل الآن إلى وجه السلفية الجهادية في تونس بقيادة الشيخ الحكيم أبي عياض – أمير أنصار الشريعة . حيث أن هذا الشيخ ينتهج نهجا سلميا في الدعوة و قد صرح مرة ( أن ارض تونس ارض دعوة و ليس ارض قتال ) و هذا الكلام اثار حفيظة كثير من الشباب المتحمسين الذين تقودهم الحمية و العواطف , لكنه ماض برؤية ثاقبة و بتجميع اكبر قدر ممكن من المناصرين , فكما نعلم الإسلام غريب في كل البلدان العربية و بالذات تونس لأسباب معروفة عند الجميع .
السلفية الجهادية في قطاع غزة تتجنب الصدام مع حكومة حماس و مع الناس و يفضل قادتها برغم الملاحقات الأمنية من حماس إلا أن ينشروا الدعوة بالفكر أولا , و أن يلتحق من يريد القتال إما في سيناء مع مجلس شورى المجاهدين أو في الشام , متجنبين بشكل قاطع الاصطدام مع حماس مهما كلف الثمن أو الصدام مع الناس .
و المراقب لخطابات الشيخ الظواهري , نجده يخاطب الأمة دائما و الشعوب و هذا ما كان عليه الشيخ أسامة رحمه الله , يستغلون أي فرصة لبث روح العزيمة في المسلمين عامة و التحريض على الجهاد.
و لكن متى برز هذا النوع من الخطاب للقاعدة ؟
مما لا شك فيه أن لما يسمى ( الربيع العربي ) دور بارز في هذا الخطاب . فبعد أن تحررت الشعوب و لو ظاهريا , كان لا بد للشعب أو لفئة من الشعب أن تشارك في الهدف التي ترنو إليه السلفية الجهادية . فمن الأفضل أن يلجأ الناس بأنفسهم إليك من أن تفرض نفسك على الناس حتى و لو كنت على حق . و هذا ما تريده السلفية الجهادية في السنوات الأخيرة . أولا افضح المخالفين و بين عوارهم , ثم اطرح نفسك بأبهى حلة و سترى الناس أو معظمهم يقبلون إليك .
و موضوع الحاضنة الشعبية هذا مهم جدا , فلننظر إلى طالبان , ما كانت لتكون بهذه القوة لولا أن اغلب الشعب يريدها و بقوة و لم يساعد كل التشويه ضدهم من إيقاف محبة الناس لهم .
هذه بعجالة كانت بعض من مظاهر السلفية الجهادية في العالم العربي و خصوصا بعد الثورات العربية .
ننتقل الآن إلى الموضوع الأكثر صعوبة , و هي الفتنة التي حصلت بين أطراف السلفية الجهادية في العراق متمثلة بدولة الإسلام في العراق و الشام و جبهة النصرة .
لقد أثبتت دولة العراق الإسلامية أنها الفصيل الوحيد الذي قاتل المحتل الأمريكي بإخلاص , و ثبت عوار اغلب الفصائل التي كانت تتغطى بثوب الإسلام . ثبتت القاعدة في العراق مع بعض من الفصائل الجهادية الأخرى التي لم تبايع القاعدة و على سبيل المثال أنصار الإسلام . و كان لا بد من الجهاد في العراق و من كل الدماء التي سالت من ثمرة للمجاهدين . فكان العمل أولا على تأسيس مجلس شورى المجاهدين كحاكم إسلامي للمناطق التي يسيطر عليها ثم إعلان "دولة العراق الإسلامية".
و في هذا الإعلان انقسم مشايخ الجهاد و أنصاره إلى قسمين , قسم مع تسمية الدولة و قسم ضد التسمية . و الأصل في الاختلاف أن مسمى دولة يحتاج إلى بيعة و يترتب على البيعة تبعات كثيرة , و كان يخشى الطرف الذي ضد تسمية الدولة من تلك التبعات , و هذا ما حدث فعلا و في ظل حكومة يقودها الأمريكان ب " فاترينة " شيعية و سنة عميلة .
كان للجهاد في العراق ما كان , و أسس المجاهدون في العراق الدولة و كانت نصرتها واجبة إذ هي الراية النظيفة الوحيدة الموجودة . و مما لا ينسى , فانه في فترة كبيرة من الجهاد العراقي كان الرافد السوري أهم رافد للمجاهدين و بذلوا و ضحوا في سبيل الله تحت راية دولة الإسلام في العراق .
و كان الشيخ أبو محمد الجولاني احد الذين قاتلوا تحت ظل تلك الراية .
حتى انتدبت دولة العراق أبا محمد الجولاني إلى سوريا ليشكل جبهة النصرة هناك , و اخذ الجولاني من البغدادي الخط الأخضر لرسم السياسة المناسبة . و فعلا قام الجولاني بوضع الخطة , و كان من حقه أن يستفيد من التجربة العراقية و يتفادى الأخطاء التي كانت موجودة .
حققت جبهة النصرة بقيادة الجولاني الفذ العبقري نجاحا باهرا في فترات قتالها , و كانت و لا زالت الرقم الأصعب في المعادلة , و تجنب الجولاني و جنده أي مواجهة ضد الناس و ضد القوى المقاتلة الأخرى و تجنب أيضا نقل الصراع خارج حدود سوريا ليس كما يردف البعض اعترافا منه بسايكس بيكو إنما لحنكة . و فعلا لا زلنا نتذكر تلك الجمعة التي رفعها السوريون و كانوا ألوفا مؤلفة تحت عنوان " كلنا جبهة النصرة " ردا على إدراج أمريكا لجبهة النصرة على لائحة الشرف – لائحة الإرهاب .
إذا, فالجولاني يصب جام قوته و ضرباته على نظام الأسد و يتجنب استباق الأحداث , و البغدادي قلق بشأن الثمرة و قطفها , و هنا لا بد من إيضاح مسألة أن قضية قطف الثمرة قضية تؤرق السلفية الجهادية , ففي كل مكان قاتل به الجهاديون يضحون بالغالي و النفيس ثم يرجعون إلى أوطانهم غير مرحب بهم , يستقبلون بالاعتقالات و المطاردة .
لكن , هل قضية قطف الثمرة أولى أم كسب الحاضنة أولى ؟
و لا يقول عاقل انه يمكن الجمع بين الاثنتين بالذات في الحالة الشامية العراقية . كيف ستتصرف الدولة في العراق و الشام مع الفصائل التي لا تريد بيعتها مع إنها جهادية و ذات توجه سلفي جهادي؟ و غير جهادي ؟ أليس من حق الإسلاميين الآخرين إثبات حسن نيتهم في إقامة الدولة الإسلامية ؟
هل سيسقط البغدادي الحالة العراقية على الحالة السورية بافتراض انه لا مجاهدين مخلصين سوى القاعدة ؟ أم أن للشأن السوري طابع يختلف عن الشأن العراقي و عوامل و ظروف أخرى ؟
هنا مكمن الداء و وضوح الاختلاف و الرؤى . إذ لا يعقل أن نفترض في سوريا أن الجماعات المجاهدة ستنقلب كما انقلبت كتائب العشرين و الجيش الإسلامي و غيرهم . و إن حدث و انقلبت الجماعات فلكل حادث حديث , أما الاستباق يرفضه الجولاني و قيادات جبهة النصرة الأخرى .
نقطة أخرى مهمة , تؤخذ على البغدادي , و هي طريقة رفضه لطرح الظواهري . فالظاهري هو رأس الجهاد العالمي و له مكانة عند أتباع السلفية الجهادية و مناصريها في كل مكان في العالم , و لا يعقل أن يرد طرحه بأنه موافق لسايكس بيكو !!! ليس لأن الظواهري أو غيره من القادة معصومين من الخطأ و العياذ بالله , إنما لضرب أساس قامت عليه أصلا السلفية الجهادية و هي الحدود المرسومة , لذلك لم يكن البغدادي موفقا في الرد حتى و إن حسم موضوع الاندماج , فبكل تأكيد له نظرة , و لكن الرد و بهذه الطريقة سابقة في تاريخ السلفية الجهادية لأنه و بدون ادني شك لم يكن قصد الظواهري الاعتراف بسايكس بيكو و البغدادي يعلم ذلك .
و مما زاد الطين بلة , هو المناكفات التي حدثت في المنتديات الجهادية و غيرها , و سببه هو بروز الخلافات في الإعلام . و مما لا يحسب لبعض هؤلاء الأنصار هو التعصب الأعمى للقادة و الجماعات و ليس هذا من شيم و أخلاق و عقيدة السلفية الجهادية . من الطبيعي أن تميل لكفة على أخرى و لكن ليس من الطبيعي أن ترمي المجاهدين بالخيانة و التفسيق و العصيان و التحزب بهذا الشكل . هذه ليست من السلفية الجهادية في شيء , إنما من أخلاق مشجعي الأندية الرياضية !!
على أية حال , و إن بدا المنهجان مختلفان , فانه لا يضير المجاهد في سبيل الله شيء . فالذي يجاهد يرتضي أي راية فيهم و يقاتل فإما ينتصر و إما يستشهد و لا يضيره هذا الاختلاف . إنما يضير القاعدين – أمثالي و ممن جعلوا النقاش و المراء طريقهم في الحياة . و لا حول و لا قوة إلا بالله.
نسأل الله أن يجمع بين صفوف المسلمين و أن يوحد شملهم و أن يثبتهم على الحق و أن ينبذ أي خلافات و اختلافات , و إن مضت سنة الله في الاختلاف , فلا يمضي القاعدون في القدح و الذم و الشتم , حسبهم أن ينفروا و يقاتلوا تحت أي راية تريد تطبيق شرع الله .
19 – حزيران - 2013