الاثنين، 29 أكتوبر 2012

الثورة السورية على مفترق طرق



الثورة السورية على مفترق طرق
احمد ابو فرحة

بعد توفيق الله و مشيئته , تمكن الثوار السوريون بكافة أطيافهم و ألوانهم من ترنيخ النظام السوري و إنهاك جيشه على مدى السنتين الماضيتين , بعد أن دفع الشعب السوري ثمنا باهظا لحريته , فلا يكاد يخلوا بيت من شهيد أو من مطارد , عدا عن نوعية المجازر التي ارتكبت بحقه ضد  الأطفال و الشيوخ و النساء , و كل ذلك موثق يشهد به العالم اجمع .
و ما يميز الثورة السورية عن بقية الثورات العربية أنها إلى حد ما استغنت عن الدعم الأجنبي و طبعا هذا يعفيها من الضرائب التي كانت ستدفعها في حال أنها استعانت بالغرب , مع محاولات الغرب و خصوصا فرنسا إلى فرض بعض الشخصيات التي تعد من المعارضة على الثورة السورية الميدانية , و بحمد الله يلقى هذا رفضا من قبل الشعب السوري و اكبر دليل هو الشعار الذي أطلقه ثوار سوريا يوم الجمعة الأخيرة : ( أمريكا : ألم يشبع حقدك من دمائنا ؟ )
و هذا يدل على رفض الثورة السورية في المجمل لتدخل أمريكا رغم الكوارث التي تحل بالسوريين .

لكن , الشيء المقلق حقا هو ما بعد زوال الأسد و نظامه , لان النظام السوري زائل لا محالة و مما يدل على ذلك بعض المؤشرات التي تشير إلى تخلي حلفائه عنه شيئا فشيئا و ذلك لضعف قوته على الأرض , و لا شك أن حلفاء النظام السوري يبحثون عن مصالحهم الخاصة و المصلحة تقتضي أن لا تتاجر بتجارة خاسرة .
كما أن اكبر حلفاء سوريا و هو حزب الله اللبناني و في خبر ذكرته صحيفة ( ديلي تليجراف) البريطانية يوم 28 أكتوبر, يفكر في إعادة حساباته بشأن موقفه من النظام السوري , و هذه تعد إشارة إلى أن النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط .
و بعد زوال هذا النظام بمشيئة الله , يبقى للثوار على الأرض مقاليد الأمور , و هنا تكمن المشكلة القادمة !!
في استعراض سريع مختصر لأطياف المعارضة السورية الفاعلة على الأرض ,نأخذ اكبر فصيلين مقاتلين على الميدان في سوريا  :
1- الجيش السوري الحر : و هو الواجهة الإعلامية الأقوى للثورة السورية المسلحة و يضم في جله أفرادا منشقين عن جيش البعث إضافة إلى بعض الشباب الثائر ميولهم وطنية , و الجيش الحر نفسه ينقسم إلى كتائب و فرق مختلفة الاتجاهات و الفكر , لكنها تتحد ( مؤقتا ) ريثما يزول نظام الأسد , و من هذه الاتجاهات الموجودة في الجيش الحر : وطني – اخوان – سلفي – علماني – إضافة إلى شباب متحمس بدون انتماء .
2- جبهة النصرة : و هي جماعة جهادية مزكاة من قبل شيوخ الجهاد تحمل الفكر السلفي الجهادي " القاعدة " , لكنها إلى الآن غير مرتبطة تنظيميا بالقاعدة , هدفها إنشاء إمارة إسلامية في سوريا على غرار " طالبان " في أفغانستان لتطبيق الشريعة , مقاتلوها في الأغلب سوريين إضافة إلى بعض من الجهاديين القادمين من بلاد مختلفة ,و هذه الجماعة هي الأخطر على امن " إسرائيل " و دول الجوار من بين فصائل سوريا المقاتلة , و لهذا يتم دوما التحذير من تنامي هذه الجماعة و التخويف منها .
و في حين يتم تسويق الثورة السورة على أنها متمثلة بالجيش الحر بنسب اغلب العمليات الميدانية ضد جيش البعث , يتم شيطنة جبهة النصرة في الإعلام العربي و الغربي من خلال نسب أي تفجير " انتحاري " سواء أكان حقيقيا ذا هدف أو غير حقيقي لها , في إشارة إلى أن هؤلاء الجماعة هدفهم التفجير و القتل , و هذا مغلوط لان جبهة النصرة و في إصداراتها الدائمة تبين استهداف ارتال عسكرية اسدية من خلال الاشتباكات و العمليات النوعية و ليس فقط بالتفجير , و هكذا حتى تصبح هذه الجماعة عند السوريين و عند الرأي العام هي الخطر القادم بعد زوال الأسد , و للأسف ينخدع بعض المقاتلين في الثورة السورية الأحرار بهذا الكلام , و لقد رأيت بنفسي على بعض صفحات الثورة السورية على" الفيسبوك"  تحذيرات من جبهة النصرة , و هذا الأمر جد خطير .
و في برنامج (بانوراما) الذي يذاع على شاشة العربية ذات التوجه المعروف ضد الجهاديين , و بحلقة عنونت " معضلة جهاديي سوريا " , يقول السيد نعمان بن عثمان مدير مؤسسة (كويليام)
البريطانية و هو يصف نفسه بالعلماني المساند للثورة السورية : " لا بد للأطراف السورية المعارضة الجلوس مع بعضها بمن فيهم جبهة النصرة و سماع وجهة نظرها و إيجاد حل مشترك , لان جبهة النصرة و بحسب دراسات مستقلة عن ثورة سوريا هي الفصيل الأقوى على الأرض و هي التي قضت مضاجع الجيش الاسدي و أنهكته بقوة و خصوصا في حلب و دمشق و ريف دمشق و هم من يبثون الرعب في صفوف الجيش النازي الاسدي  و هم يعدون بالآلاف و لا يجوز أن يلقى عليهم تصريحات و بيانات و تقليل شأن مهما كان فكرهم و أيدلوجيتهم التي أنا ضدها " انتهى كلامه .
إذا فالمؤشرات تشير إلى انه ثم مخطط ضد جماعة النصرة في الشام بعد زوال الأسد و نوع من إنكار الجميل تجاه ما فعلوه ضد النظام , و لكن السؤال الأهم : لماذا كل هذا ؟؟
بالعودة إلى الثورة السورية بشكل عام فهي كما أسلفنا لم تحتاج الغرب و لم يكن للغرب دور يذكر في التسليح و ضرب النظام , بل على العكس حاول الغرب بكل قوته أن يبقى الأسد لكن الإرادة الشعبية كانت أقوى , فلماذا كل هذا الخوف من الجهاديين في سوريا , الجواب متشعب و يتلخص في :
1- العقيدة القتالية التي يحملها قادة الجيش الحر المنشقين عن جيش الأسد هي عقيدة ليست عقيدة إسلامية ( من ناحية القتال ) , فالذي تربى عليه الجنود السوريون عبر عشرات السنين لا يمكن أن يزول بيوم و ليلة , و كره الجماعات الجهادية و وصفها بالتكفيرية و أنها ذات أجندات خارجية , هي أفكار يحملها قادة الجيش المنشقين و كثير من الأفراد أيضا .
2- طبيعة الشعب السوري طبيعة متدينة بشكل عام و لكنها لا تميل إلى " التعصب " بالمفهوم الذي يفهمه الناس , بمعنى أن سوريا ليست أفغانستان !!
3- الحدود السورية – الصهيونية المباشرة , و هذا يقود انه لو استلم الجهاديون مقاليد الحكم في سوريا ستكون معارك مع الجيش الإسرائيلي لا محالة , و هذا بحد ذاته ليس ضمن استعدادات الثوار ( غير الجهاديين ) لأسباب كثيرة , ليس لأنهم بالضرورة مرتبطين بالغرب , إنما لفهمهم انه لن تكون قدرة على إسرائيل , و سوف تجلب الحرب الويلات للشعب السوري , و هذا استعجال في الأمور حسب وجهة نظر الكثيرين .
4- التشويه المتعمد للجهاديين في كل مكان حلوا به و عبر كافة الإذاعات و شاشات التلفزة و نسب أعمال لهم و هم بريئون منها , أو تضخيم عمل سلبي و جعله يبدو كنهج عندهم , و ليست مؤامرة الجيش المصري على جهاديي سيناء ببعيد و اتهامهم بقتل الجنود المصري , و ليست قصة الطفلة الباكستانية التي نسب إلى طالبان باكستان أنها قد أصابتها بطلق ناري لأجل أنها تريد التعليم و الحرية ببعيدة أيضا , و الحرب على الجهاديين من قبل الغرب و حتى بعض" الإسلاميين " لا تخفى على احد .

و بعد كل هذا , ما الحل بالنسبة للثورة السورية ؟؟ فالجهاديون قطعا لن يغيروا أيدلوجيتهم لأجل هذه الجهة أو تلك , و الحلم الذي تربوا عليه منذ عقود و الذي يفترض أن يكون حلم أي مسلم بإقامة دولة أو إمارة إسلامية سيتم تحقيقه بإذن الله في حال أي تمكين , بل انه ليس حلم انه فرض أمر به الله عز و جل , و الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر من الثورة السورية , و الأحرى بهم التذكر أولا أنهم مسلمون و ليس شيئا آخر ثم فهم دينهم على النحو الصحيح , و إدراك المعادلة الربانية السهلة التي تخفى على المعظم " إن تنصروا الله ينصركم " , و نصر الله بإقامة شرعه على الأرض , بذلك تنجو سوريا من حمام دم آخر على الأبواب هم في غنى عنه , و بذلك لن يتم " صوملة " او " عرقنة " سوريا كما سيحلوا  للإعلام تسمية الأزمة اللاحقة .
الأمر خطير , و يجب على العقلاء إدراكه , و يجب على الثوار الذين ضحوا بالغالي و النفيس و تركوا الغرب و مخططاته أن لا يتم تضليلهم بتلك الطريقة و أن الحل فقط يكمن في تطبيق شرع الله , لان مهر تطبيق دين الله غالي الثمن و لا تزال الدماء تراق حتى يقضي مختصمان في أي مكان في العالم لدى قاض فيحكم بما انزل الله و لا يجدوا حرجا و يسلموا تسليما .
اللهم مكن لعبادك من تطبيق شرعك الذي ارتضيت انك القادر على كل شيء .

29 – أكتوبر – 2012