الثورة السورية على مفترق طرق
احمد ابو فرحة
بعد
توفيق الله و مشيئته , تمكن الثوار السوريون بكافة أطيافهم و ألوانهم من ترنيخ
النظام السوري و إنهاك جيشه على مدى السنتين الماضيتين , بعد أن دفع الشعب السوري
ثمنا باهظا لحريته , فلا يكاد يخلوا بيت من شهيد أو من مطارد , عدا عن نوعية
المجازر التي ارتكبت بحقه ضد الأطفال و
الشيوخ و النساء , و كل ذلك موثق يشهد به العالم اجمع .
و
ما يميز الثورة السورية عن بقية الثورات العربية أنها إلى حد ما استغنت عن الدعم الأجنبي
و طبعا هذا يعفيها من الضرائب التي كانت ستدفعها في حال أنها استعانت بالغرب , مع
محاولات الغرب و خصوصا فرنسا إلى فرض بعض الشخصيات التي تعد من المعارضة على
الثورة السورية الميدانية , و بحمد الله يلقى هذا رفضا من قبل الشعب السوري و اكبر
دليل هو الشعار الذي أطلقه ثوار سوريا يوم الجمعة الأخيرة : ( أمريكا : ألم يشبع
حقدك من دمائنا ؟ )
و
هذا يدل على رفض الثورة السورية في المجمل لتدخل أمريكا رغم الكوارث التي تحل
بالسوريين .
لكن
, الشيء المقلق حقا هو ما بعد زوال الأسد و نظامه , لان النظام السوري زائل لا
محالة و مما يدل على ذلك بعض المؤشرات التي تشير إلى تخلي حلفائه عنه شيئا فشيئا و
ذلك لضعف قوته على الأرض , و لا شك أن حلفاء النظام السوري يبحثون عن مصالحهم
الخاصة و المصلحة تقتضي أن لا تتاجر بتجارة خاسرة .
كما
أن اكبر حلفاء سوريا و هو حزب الله اللبناني و في خبر ذكرته صحيفة ( ديلي تليجراف)
البريطانية يوم 28 أكتوبر, يفكر في إعادة حساباته بشأن موقفه من النظام السوري , و
هذه تعد إشارة إلى أن النظام قاب قوسين أو أدنى من السقوط .
و
بعد زوال هذا النظام بمشيئة الله , يبقى للثوار على الأرض مقاليد الأمور , و هنا
تكمن المشكلة القادمة !!
في
استعراض سريع مختصر لأطياف المعارضة السورية الفاعلة على الأرض ,نأخذ اكبر فصيلين
مقاتلين على الميدان في سوريا :
1-
الجيش السوري الحر : و هو الواجهة الإعلامية الأقوى للثورة السورية المسلحة و يضم
في جله أفرادا منشقين عن جيش البعث إضافة إلى بعض الشباب الثائر ميولهم وطنية , و
الجيش الحر نفسه ينقسم إلى كتائب و فرق مختلفة الاتجاهات و الفكر , لكنها تتحد (
مؤقتا ) ريثما يزول نظام الأسد , و من هذه الاتجاهات الموجودة في الجيش الحر :
وطني – اخوان – سلفي – علماني – إضافة إلى شباب متحمس بدون انتماء .
2-
جبهة النصرة : و هي جماعة جهادية مزكاة من قبل شيوخ الجهاد تحمل الفكر السلفي
الجهادي " القاعدة " , لكنها إلى الآن غير مرتبطة تنظيميا بالقاعدة ,
هدفها إنشاء إمارة إسلامية في سوريا على غرار " طالبان " في أفغانستان
لتطبيق الشريعة , مقاتلوها في الأغلب سوريين إضافة إلى بعض من الجهاديين القادمين
من بلاد مختلفة ,و هذه الجماعة هي الأخطر على امن " إسرائيل " و دول
الجوار من بين فصائل سوريا المقاتلة , و لهذا يتم دوما التحذير من تنامي هذه
الجماعة و التخويف منها .
و
في حين يتم تسويق الثورة السورة على أنها متمثلة بالجيش الحر بنسب اغلب العمليات
الميدانية ضد جيش البعث , يتم شيطنة جبهة النصرة في الإعلام العربي و الغربي من
خلال نسب أي تفجير " انتحاري " سواء أكان حقيقيا ذا هدف أو غير حقيقي
لها , في إشارة إلى أن هؤلاء الجماعة هدفهم التفجير و القتل , و هذا مغلوط لان
جبهة النصرة و في إصداراتها الدائمة تبين استهداف ارتال عسكرية اسدية من خلال الاشتباكات
و العمليات النوعية و ليس فقط بالتفجير , و هكذا حتى تصبح هذه الجماعة عند
السوريين و عند الرأي العام هي الخطر القادم بعد زوال الأسد , و للأسف ينخدع بعض
المقاتلين في الثورة السورية الأحرار بهذا الكلام , و لقد رأيت بنفسي على بعض
صفحات الثورة السورية على" الفيسبوك" تحذيرات من جبهة النصرة , و هذا الأمر جد خطير .
و
في برنامج (بانوراما) الذي يذاع على شاشة العربية ذات التوجه المعروف ضد الجهاديين
, و بحلقة عنونت " معضلة جهاديي سوريا " , يقول السيد نعمان بن عثمان
مدير مؤسسة (كويليام)
البريطانية
و هو يصف نفسه بالعلماني المساند للثورة السورية : " لا بد للأطراف السورية
المعارضة الجلوس مع بعضها بمن فيهم جبهة النصرة و سماع وجهة نظرها و إيجاد حل
مشترك , لان جبهة النصرة و بحسب دراسات مستقلة عن ثورة سوريا هي الفصيل الأقوى على
الأرض و هي التي قضت مضاجع الجيش الاسدي و أنهكته بقوة و خصوصا في حلب و دمشق و
ريف دمشق و هم من يبثون الرعب في صفوف الجيش النازي الاسدي و هم يعدون بالآلاف و لا يجوز أن يلقى عليهم
تصريحات و بيانات و تقليل شأن مهما كان فكرهم و أيدلوجيتهم التي أنا ضدها "
انتهى كلامه .
إذا
فالمؤشرات تشير إلى انه ثم مخطط ضد جماعة النصرة في الشام بعد زوال الأسد و نوع من
إنكار الجميل تجاه ما فعلوه ضد النظام , و لكن السؤال الأهم : لماذا كل هذا ؟؟
بالعودة
إلى الثورة السورية بشكل عام فهي كما أسلفنا لم تحتاج الغرب و لم يكن للغرب دور
يذكر في التسليح و ضرب النظام , بل على العكس حاول الغرب بكل قوته أن يبقى الأسد
لكن الإرادة الشعبية كانت أقوى , فلماذا كل هذا الخوف من الجهاديين في سوريا ,
الجواب متشعب و يتلخص في :
1-
العقيدة القتالية التي يحملها قادة الجيش الحر المنشقين عن جيش الأسد هي عقيدة
ليست عقيدة إسلامية ( من ناحية القتال ) , فالذي تربى عليه الجنود السوريون عبر
عشرات السنين لا يمكن أن يزول بيوم و ليلة , و كره الجماعات الجهادية و وصفها
بالتكفيرية و أنها ذات أجندات خارجية , هي أفكار يحملها قادة الجيش المنشقين و
كثير من الأفراد أيضا .
2-
طبيعة الشعب السوري طبيعة متدينة بشكل عام و لكنها لا تميل إلى " التعصب
" بالمفهوم الذي يفهمه الناس , بمعنى أن سوريا ليست أفغانستان !!
3-
الحدود السورية – الصهيونية المباشرة , و هذا يقود انه لو استلم الجهاديون مقاليد
الحكم في سوريا ستكون معارك مع الجيش الإسرائيلي لا محالة , و هذا بحد ذاته ليس
ضمن استعدادات الثوار ( غير الجهاديين ) لأسباب كثيرة , ليس لأنهم بالضرورة
مرتبطين بالغرب , إنما لفهمهم انه لن تكون قدرة على إسرائيل , و سوف تجلب الحرب
الويلات للشعب السوري , و هذا استعجال في الأمور حسب وجهة نظر الكثيرين .
4-
التشويه المتعمد للجهاديين في كل مكان حلوا به و عبر كافة الإذاعات و شاشات
التلفزة و نسب أعمال لهم و هم بريئون منها , أو تضخيم عمل سلبي و جعله يبدو كنهج
عندهم , و ليست مؤامرة الجيش المصري على جهاديي سيناء ببعيد و اتهامهم بقتل الجنود
المصري , و ليست قصة الطفلة الباكستانية التي نسب إلى طالبان باكستان أنها قد أصابتها
بطلق ناري لأجل أنها تريد التعليم و الحرية ببعيدة أيضا , و الحرب على الجهاديين
من قبل الغرب و حتى بعض"
الإسلاميين " لا تخفى على احد .
و
بعد كل هذا , ما الحل بالنسبة للثورة السورية ؟؟ فالجهاديون قطعا لن يغيروا أيدلوجيتهم
لأجل هذه الجهة أو تلك , و الحلم الذي تربوا عليه منذ عقود و الذي يفترض أن يكون
حلم أي مسلم بإقامة دولة أو إمارة إسلامية سيتم تحقيقه بإذن الله في حال أي تمكين ,
بل انه ليس حلم انه فرض أمر به الله عز و جل , و الكرة الآن في ملعب الطرف الآخر
من الثورة السورية , و الأحرى بهم التذكر أولا أنهم مسلمون و ليس شيئا آخر ثم فهم
دينهم على النحو الصحيح , و إدراك المعادلة الربانية السهلة التي تخفى على المعظم
" إن تنصروا الله ينصركم " , و نصر الله بإقامة شرعه على الأرض , بذلك
تنجو سوريا من حمام دم آخر على الأبواب هم في غنى عنه , و بذلك لن يتم "
صوملة " او " عرقنة " سوريا كما سيحلوا للإعلام تسمية الأزمة اللاحقة .
الأمر
خطير , و يجب على العقلاء إدراكه , و يجب على الثوار الذين ضحوا بالغالي و النفيس
و تركوا الغرب و مخططاته أن لا يتم تضليلهم بتلك الطريقة و أن الحل فقط يكمن في
تطبيق شرع الله , لان مهر تطبيق دين الله غالي الثمن و لا تزال الدماء تراق حتى
يقضي مختصمان في أي مكان في العالم لدى قاض فيحكم بما انزل الله و لا يجدوا حرجا و
يسلموا تسليما .
اللهم
مكن لعبادك من تطبيق شرعك الذي ارتضيت انك القادر على كل شيء .
29
– أكتوبر – 2012