ادلب ... حصن
الثورة الاخير
بين المزايدات و
الواقع
بقلم : احمد ابو
فرحة
من سيئات الفرد
المنعم الجالس في امان و سكينة و الذي يحمل فكر الثورة او فكر الجهاد , انه يقبل على نفسه الراحة
و فنون السياسة و فنون التقية , و لا يقبلها على جماعة , و لا حتى على شعب . سوق
المزاودات في حال الاستضعاف سوق رائج , له زبائنه , و له مريدون . كالمتفرج على
مباراة لكرة القدم يحللها و يعمل الخطط و يسفه اراء كبار المدربين , و هو لا يعلم
كيف يركل الكرة !! نعم , في النعيم و الامان و تحت المكيف يمكن ان اقامر بحياة شعب
كامل لاثبت اني شجاع !! و النتيجة , ماذا تؤثر كل عنترياتك و كل مزاوداتك على الارض
؟ لاشيء . انت في واد , و الواقع في واد آخر . او كما قال المثل : " عبال مين
يللي بترقص بالعتمة ؟ "
اولا فلنعرف
معنى الثورة , و نحدد اركانها , و محركها الرئيسي . الثورة هي شعب يقوم بقتال ضد
حاكمه ليسقطه . اذا فالثورة : شعب , قتال , و اهداف . و في الحالة السورية فان
الشعب السوري انتفض ضد الطاغية ليسقطه . و هذا هو ملخص الثورة السورية . فالشعب
الثائر بمجموعه هو محرك الثورة و هو محتضنها . و القتال هو اسلوب الخلاص من
الطاغية , و اسقاط الطاغية هو هدف الثورة . و لذلك فان نفس التنظيمات الثائرة من
نفس الشعب الثائر , فان ارتفع حس الثورة لدى الشعب , ارتفعت وتيرة الثورية عند
التنظيمات , و العكس صحيح .
الان و بعد
سنوات من الثورة , و بعد مكر الاعداء في الليل و النهار , و بعد فشل كثير من
التنظيمات في الصمود و رهن أنفسها لداعميها , فان وتيرة الثورة لدى الشعب السوري
الثائر قد خفت , و اصبح الحصول على طعام و مأوى اولوية عند الكثيرين . و لا تستغرب
اصلا وجود من يتمنى ان يرجع الى عهد ما قبل الثورة , فالوضع البائس المزري ثقيل
جدا على الناس .
ادلب اليوم ,
بتقدير الله اولا و بظروف سياسية معقدة , اصبحت ملاذا لكل ثائر من اي مشرب و توجه
. و الناس في ادلب اليوم يطمحون الى فترة استقرار يشدون فيها عضدهم و يتنفسون فيها
بعد طول فتك . و لهذا فان مسؤولية هيئة تحرير الشام و من معها من الفصائل ان
يجمعوا بين السياسة و الجهاد و البناء و العيش . معادلة معقدة جدا , تحتاج الى
توفيق رباني اولا , ثم حس مسؤولية عالي من كافة الاطراف في ادلب . ادلب اليوم هي
نواة المدينة الفاضلة التي ستخرج جيلا فريدا يعيد الامجاد .
يصدم المرء
كثيرا بعقول لا تعرف الا لغة التشكيك و التخوين و المزاودة , عقول تشربت الانغلاق
و احترفت الفصام بين الواقع و المأمول . عقول لا تفكر بسؤال واحد فقط ينهي كل ما
يدور برؤوسهم : ما الحل ؟ هذه العقول ان فكرت بهذا السؤال بشكل جدي , لن يجدوا
اجابة افضل مما كان . الكل يعلم حجم القوة من الاعداء عليك و الكل يعلم حجم
التهاوي لكثير من الفصائل السورية , حتى اصبحت هيئة تحرير الشام لوحدها في الواجهة
. فهل تقدم الهيئة على الانتحار لتثبت انها شريفة ؟ او ليثني عليها الشيخ فلان او
علان ؟ ما هذه السطحية في التفكير ؟ ان المسلم المجاهد يعمل دائما ضمن الممكن , و
ان الاقدام على غير الممكن يعتبر انتحارا . و المشكلة فان المزايدات تأتي من صنفين
: الصنف الاول الذي تهاوى اولا و الذي جعل الهيئة لوحدها , و هؤلاء لا يحق لهم
المزاودة . الصنف الثاني هم الجالسون المنعمون في بلادهم و الذين يمارسون اكبر
درجات السياسة و التقية – على مستوى الفرد – لكن على مستوى الجماعة و الشعب فهي تنازل و رقة
في دين الله!! . و هؤلاء قوم لم يحدثوا تغييرا ايجابيا في الامة و لن يحدثوا ابدا .
فليعيشوا في نظرياتهم منتشين ببطولاتهم الدونكيشوتية .
ان هيئة تحرير
الشام في ادلب اليوم يعقد عليها كثير من الامال في بناء مجتمع ادلب : ثقافيا و
شرعيا و عمرانيا و بناء الانسان الصالح , هذا من جهة . و من جهة اخرى اعداد جيل مجاهد
يكون مستعدا لحدث يريده الله في لحظة ما . و اخيرا , فان الوجود بحد ذاته يعتبر
انجازا في لحظة ما , وجود يهيئ لوجود اقوى و اعظم باذن الله و ان مسيرة الجهاد
ماضية الى يوم الدين و ان اختلفت ظروف و ان تبدلت وسائل .