القاعدة و
الدولة
حقائق الأزمة
كاملة (2)
بقلم : احمد ابو
فرحة
بعد أن عرضنا في الجزء الأول لمحة
سريعة عن أصول الاختلاف بين القاعدة و الدولة , سنتعرض في هذا الجزء إلى تسليط
الضوء على بعض من الفروق بين كل من هذين التنظيمين او الكيانين . و سيكون البحث
حياديا موضوعيا يؤخذ من أدبيات كل من الطرفين .
1- مفهوم البيعة عند كل طرف
في حين أن الدولة الإسلامية في العراق
و الشام ألزمت نفسها بمفهوم "الدولة" و ما يتبعه من التزامات يشمل ذلك مفهوم
للبيعة , فان جبهة النصرة – تنظيم القاعدة
في أدبياتها تعتبر أن كل البيعات في حالة الحرب هي بيعات قتال . و مما قد يترتب
على مفهوم البيعة عند كل طرف , فان الدولة الإسلامية تعتبر المجاهد الذي لا يبايع (عاصي
) مع الاعتراف بأنه مجاهد و له حق الأخوة في الدين . و يتوضح ذلك فيما نشر عن
ميثاق الدولة الإسلامية في البند الثالث عشر " نرى أن أبناء الجماعات الجهادية العاملين
في الساحة إخوة لنا في الدين ، ولا نرميهم بكفر ولا فجور ، إلا أنهم عصاة لتخلفهم
عن واجب العصر وهو الاجتماع تحت راية واحدة " انتهى .
2- أولويات القتال
يعتمد تنظيم القاعدة أو ( جبهة النصرة
) إلى قتال العدو المباشر الرئيسي و صب كافة الجهود عليه , واضعا أولويات محددة
للقتال و بالطبع فان دفع العدو الصائل حق كفله الإسلام للفرد كما الجماعة . فتركيز
جبهة النصرة اليوم على سقوط الأسد و نظامه , و بعدها العمل على إقامة حكم راشد
يشمل الجميع , و بعد إسقاط النظام تتضح الأمور في من يريد دولة إسلامية و من لا
يريد و وقتها كل حادث حديث عند جبهة النصرة. بمعنى أن تنظيم القاعدة يتبع سياسة
الصعود إلى السلم درجة درجة . و هذا ما وضحه أبو محمد الجولاني في لقاءه التلفازي
مع الجزيرة .
أما الدولة الإسلامية في العراق و الشام فهي ترمي
كل الأعداء عن قوس واحدة . فالصحوات و المرتزقة و الشيعة و الأمريكان و الأنظمة
العربية فقتالهم يكون واحدا . و قد يتغبش مفهوم العدو عند كثير من أفراد الدولة
ليشمل المخالف المحارب . و هنا تكمن الخطورة في أن يعتبر البعض قتال الفتنة هو
قتال إيمان و كفر , و قد حذر من هذا كثير من الدعاة و العلماء و طلبة العلم .
3- مسألة التكفير
في لقاءه على الجزيرة , أوضح الجولاني
أن مسألة التكفير تخضع لهيئة شرعية خاصة بالجبهة هي المسئولة عن هذا الأمر . كما انه
ليس من حق أي فرد بالجبهة إطلاق الأحكام باجتهاده الفردي و يعنف على ذلك . أما
الدولة الإسلامية في العراق و الشام فمسألة التكفير غير منضبطة فتجد بونا بين
الشرعيين و الأفراد و القادة كل حسب
اجتهاده . مع العلم أن كل من جبهة النصرة و الدولة ترجع إلى منبع فكري واحد .
4- نظرية نصف الكأس المملوءة و
الفارغة ( نظرة نفسية )
و في هذا الجانب يتوضح تعامل كل من
القاعدة (جبهة النصرة) و الدولة مع أخوة الإسلام و رفقاء الحرب . فكما هو معروف ,
ليست كل الافهام و الاجتهادات واحدة و هناك فصائل و تيارات عديدة مكونة للثورة
السورية و في غالبيتها إسلامية متنوعة . في حين أن جبهة النصرة تنظر منظور نصف
الكأس المملوءة مع الأطراف الأخرى و تعزز مواقفها الايجابية و تبحث عن النقاط
المشتركة , فان الدولة قيادة و عناصر دائما تنظر نظرة نصف الكأس الفارغة مع الآخرين
. لذلك تجد كثير من شرعيي و مناصري و جنود الدولة يتصيدون أي خطأ للجماعات الأخرى
محذرين دوما من أن الغالبية مشروع صحوات . و لعل الخبرة في القتال في العراق هي
السبب المباشر في هذه النظرة , فبعد أن كان الجيش الإسلامي و كتائب ثورة العشرين و
كثير من الكتائب الإسلامية التي كان يتوسم فيها الكثير خيرا , أصبحت هذه الكتائب
في العراق أثرا بعد عين , فمنها من ذاب في العملية السياسية و في الصحوات و منها
من التحق بالدولة الإسلامية أو أنصار الإسلام أو بقي يقاتل ككتائب صغيرة مستقلة.
لكن هذا المبرر ليس كافيا في عدم إعطاء الفرصة للخصوم السياسيين "الإسلاميين"
إلى آخر المطاف . فظروف العراق غير ظروف سورية و العوامل مختلفة في كل من البلدين.
5- السياسة الإعلامية
في حين أن الدولة الإسلامية تركز في
جانبها الإعلامي على جذب العناصر المتحمسة و استخدام اللغة التي قد تبدو أوضح ممن
يميلون إلى فكر السلفية الجهادية , إلا أن جبهة النصرة تركز في جانبها الإعلامي
لمخاطبة الناس بقدر عقولهم و التقرب منهم و الابتعاد عن الألفاظ التي قد تشكل على
المتخوفين من فكر القاعدة . و قد لاحظنا أن الجولاني استخدم لفظ " الأطراف
الخائنة " في خطابه ( الله الله في ساحة الشام ) , و هذا اللفظ مستساغ عند
الناس و العوام , في حين أن العدناني الناطق باسم الدولة استخدم لفظة " صحوات
الردة " في خطابه بعد الأزمة . ففي خطاب الجولاني جذب للعوام , و في خطاب
العدناني جذب ل " ( النخبة ) أو مؤيدي التيار الجهادي باعتبار انه قد وضع
النقاط على الحروف . مع العلم أن اللفظين المستخدمين عند كل من الجولاني و
العدناني لا يفترقان كثيرا في المضمون .
6- التعاطي مع الأخطاء الفردية
لا شك أن العصمة لله وحده , و كل طرف
قد يبدر منه أخطاء معينة . و إذا لم يتم التعامل مع الأخطاء الفردية أول بأول و
التبرؤ من كل خطأ فورا , فان هذه الأخطاء تنتقل من مرحلة الأخطاء الفردية إلى
مرحلة الخطأ في سياسة أي طرف . وقعت كثير من الأخطاء الفردية من قبل جبهة النصرة ,
إلا انه تم التعامل معها بحزم و نال الجاني القصاص عن طريق محكمة مستقلة أو هيئة
شرعية ما , و لسنا هنا في صدد التفصيل في الأمور , فأي متابع للساحة الشامية يعرف
هذه الأمور . بينما الأخطاء الفردية من قبل الدولة لم يتم التعامل معها بشكل سليم
و لم يتم التبرؤ منها , مما أدى لكثير من الحركات و الفصائل الأخرى اعتبار أن هذه الأخطاء
هي أخطاء ممنهجة من قبل الدولة .
7- التعامل مع أهل الكتاب
ترى الدولة الإسلامية في العراق و
الشام في ميثاقها في البند الثاني عشر انه لا ذمة لأي من الطوائف غير المسلمة , و
هذا نص البند : "نرى أن طوائف أهل الكتاب وغيرهم من الصابئة ونحوهم في دولة الإسلام
اليوم أهل حرب لا ذمة لهم ،فقد نقضوا ما عاهدوا عليه من وجوه كثيرة وعليه ، إن
أرادوا الأمن والأمان ، فعليهم أن يحدثوا عهداً جديداً مع دولة الإسلام وفق الشروط
العمرية التي نقضوها" . و يؤكد هذا البند استهداف الكنائس في العراق طوال السنوات الماضية . و
تبدو جبهة النصرة أكثر تحفظا لموضوع أهل الكتاب و بالذات النصارى . فالجولاني
يعتبرهم أناس عاشوا في هذه البلد و عندما تقام حكومة إسلامية فان لهم حقوق و عليهم
واجبات بما تقتضيه الشريعة الإسلامية , و هو بذلك لا يعتبرهم أعداء في سوريا .
8- مسألة
التحاكم إلى الشرع
و هذه
المسألة هي أهم مسألة يختلف عليها كل من القاعدة ( النصرة ) و الدولة الإسلامية .
في حين أن الدولة الإسلامية ترى في التحاكم إلى الشرع واجبا على كل مسلم بشرط
أن يكون هذا التحاكم في محاكم الدولة الإسلامية . اذ تقول الدولة في ميثاقها في
البند الخامس : "خامساً :
نرى وجوب
التحاكم إلى شرع الله من خلال الترافع إلى المحاكم الشرعية في الدولة الإسلامية ،
والبحث عنها في حالة عدم العلم بها كون التحاكم إلى الطاغوت من القوانين الوضعية
والفصول العشائرية ونحوها من نواقض الإسلام قال تعالى(ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون) "
بينما جبهة النصرة و على لسان أميرها
الجولاني ترى وجوب إنشاء محكمة مستقلة تبت في القضايا العالقة بين المتخاصمين
المسلمين .
و هذا الإشكال سببه في أن الدولة الإسلامية
في العراق و الشام و عندما أطلقت على نفسها اسم (دولة) أصبحت ملزمة لنفسها في
التصرف كأنها دولة و أنها اكبر من الجماعة أو الفصيل .و إذا حصل و أن قبلت الدولة
التحاكم إلى محكمة مستقلة فان مفهوم الدولة سينهار عند كثير من المتحمسين لها و أنها
بذلك تصبح مثل أي فصيل موجود . و التحاكم عند محاكم الدولة يرفضه كل مخالفوها ,
فكيف اختصم معك و نتقاضى عندك ؟
لهذه المعضلة حلان لا ثالث لهما :الأول : أن تتصرف الدولة ك (جماعة) على الأقل في الشام ,
و هذا ما تطلبه الفصائل الإسلامية و معهم جبهة النصرة و حتى كل العلماء و الشيوخ
مثل أبي محمد المقدسي و أبي قتادة الفلسطيني و الشيخان هاني السباعي و طارق عبد
الحليم و الشيخ عبد العزيز الطريفي و الشيخ يوسف الأحمد و الشيخ حامد العلي و
الدكتور أيمن الظواهري .
أو الحل الآخر , أن تنضوي بقية
الجماعات تحت مظلة الدولة و هذا ما تريده الدولة و ما يرفضه ترفضه الغالبية .
انتهى الجزء الثاني .