الثلاثاء، 19 يونيو 2018

من طلب الكمال طلب المحال .. احذروا داء المثالية !!


من طلب الكمال طلب المحال
احذروا داء المثالية !!
بقلم : احمد ابو فرحة
في حياة المرء عبر الايام , يرى بعينه مواقف و احداث تستحق التأمل , تبدأ على صعيد الاشخاص , ثم على صعيد الجماعات , و من ثم على صعيد المجتمعات و الدول , و يرى كيف ان الانسان باحداثه و حوادثه متشابك متشابه . في بداية حياتي الملتزمة , تعرفت الى كثير من الاخوة الصادقين , انتهى بهم المطاف الى صفوف لم يكن احد يتوقعها بسبب داء نفسي فكري يضرب الانسان اجتماعيا و سياسيا و فكريا . احد اصدقائي القديمين اراد الزواج من فتاة متدينة جميلة و كان يركز على التدين . بحث كثيرا و كثيرا و في كل مرة كان يجد امرأة يخترع سببا للقدح فيها ليعدل عنها , خاض تجربة و اثنتين ثم وصل الى قناعة انه لا احد من النساء متدين و ان كانت متدينة فعلا فانها غير جميلة . بعد ان وصل لهذه القناعة عدل عن فكرة الزواج من اصلها و صار يلعن الزواج و بقي راهبا . شاب اخر بنفس الحيثيات السابقة , بحث عن التدين "من وجهة نظره" اكتشف ان التدين عند النساء غير حقيقي و ان السافرة اكثر وضوحا من المتدينة , لا اعلم كيف وصل لهذا لكنه وصل و انتهى به المطاف ان تزوج من امرأة لا تعرف التدين , فقط ليريح نفسه – و هي سبب المشكلة. هذه الاحداث على المستوى الاجتماعي تنطبق نفسها على الجانب الدعوي . شاب دخل الى مجال الدعوة فانتقد جماعة اسلامية معينة لسبب ما , ثم ينتقل الى جماعة اسوأ منها في الجانب الذي كان يطرحه هو , او ان شابا اخرا انتقل من مجال الدعوة الاسلامية ثم انتقد بعض الامور فينقلب الى علماني و يمارس امورا افظع من جماعته السابقة . او ان شابا كان جهاديا انتقد القتل و اصبح من الجاميين , فيصير يؤيد القتل بطريقة افظع عن طريق طاغوته .و قصص كثيرة في هذا الجانب مؤكد انها تمر في اي مكان و وقت .
الحقيقة الواضحة وضوح الشمس , ان غالب المنتمين الى الجماعات الاسلامية و حتى العلمانية , لا يتأثرون بجماعاتهم بقدر ما انهم يبحثون عن شيء ملائم لنفسياتهم . فالجبان مثلا يبحث عن جماعة تبرر الجبن , و صاحب الحدية يبحث عن جماعة تناسب حديته , و هكذا ... و ما مفهوم النفسية هنا ؟ انه الهوى بعينه , اي ان كل شخص يبحث عما يناسب هواه , و هذه هي الخديعة الكبرى , انه يبحث عن ما يناسب هواه فيغلفه بلباس الدين و الفكر . و لو اراد هذا المرء ان يبحث عن ما يناسب الامة , او يناسب الناس او حتى يناسب البلد , لاختار اختيارا واقعيا ملائما يستطيع فيه ان يقدم لامته , لا ان يرضي نفسه .
فاذا كنت تنتمي الى جماعة معينة , ما الذي تريده منها ؟ هل تريدها كاملة مثالية ؟ و ان كنت تريدها كذلك فأين سيكون مآلك في النهاية ؟ لأن اي انسان لا يستطيع ان يكون خاويا , هناك فراغ لا بد ان يملأ . هب ان الجماعة الفلانية لا تعجبك بسبب نقطة او اثنتين , ما الذي ستفعله ؟ ستنتقل الى جماعة اخرى قد تقنع نفسك انها اصوب من الناحية التي تحفظت عليها , لكن بالمقابل هل هذه الجماعة الجديدة افضل بالمجمل من الجماعة السابقة ؟ و اسأل نفسك اولا , هل تحفظاتك على الجماعة بسبب امر حقيقي ملموس يتعلق بالامة ام بسبب شيء في نفسك ؟ ان نجحت في هذا الاختبار ستحل كثير من مشاكلك .
الامر و ما فيه , انه ليس هنالك جماعة او دولة او فرد على وجه الارض كامل . و ليست هنالك جماعة تقارع كل اعداء الدين و بنفس الوقت تسير شؤون الناس و بنفس الوقت تهتم بالجانب الدعوي و بنفس الوقت تحسن السياسة و بنفس الوقت تحسن الاقتصاد . هذا محال . و ان كنت تريد تبديل جماعة فورقة و قلم و قليل من الموضوعية و التجرد كفيلات لك بحسم امرك . سجل الايجابيات و السلبيات لكل جماعة و احسب المعدل العام كما يفعل المعلمون مع الطلبة, و الاكثر يستحق انتماءك , هذا ان كنت انت اصلا تستحق الانتماء لتلك الجماعة . اما ان تترك مجال الدعوة او تترك مجال الثورة او تترك مجال الجهاد لانه لا احد صحيح , فاعلم انك انت اعوج . او ان تترك جماعة لسبب و تلتحق باخرى و تمارس افظع مما كنت عليه بالجماعة الاولى , فاعلم انك صاحب هوى لا صاحب دعوة . و اعلم ان قطار الدعوة و الجهاد ماض , بك او بدونك , فاخلص النية لله وحده .
 هذا الداء في علم النفس يسمى داء المثالية , اي ان المرء يفضل عدم الامتلاك اصلا على ان يمتلك شيئا ناقصا و النقص محتوم , او ان الامر ان لم يكن مثاليا فان المرء ينتقل للضد !!