من طلب الكمال
طلب المحال
احذروا داء
المثالية !!
بقلم : احمد ابو
فرحة
في حياة المرء
عبر الايام , يرى بعينه مواقف و احداث تستحق التأمل , تبدأ على صعيد الاشخاص , ثم
على صعيد الجماعات , و من ثم على صعيد المجتمعات و الدول , و يرى كيف ان الانسان
باحداثه و حوادثه متشابك متشابه . في بداية حياتي الملتزمة , تعرفت الى كثير من
الاخوة الصادقين , انتهى بهم المطاف الى صفوف لم يكن احد يتوقعها بسبب داء نفسي
فكري يضرب الانسان اجتماعيا و سياسيا و فكريا . احد اصدقائي القديمين اراد الزواج
من فتاة متدينة جميلة و كان يركز على التدين . بحث كثيرا و كثيرا و في كل مرة كان
يجد امرأة يخترع سببا للقدح فيها ليعدل عنها , خاض تجربة و اثنتين ثم وصل الى
قناعة انه لا احد من النساء متدين و ان كانت متدينة فعلا فانها غير جميلة . بعد ان
وصل لهذه القناعة عدل عن فكرة الزواج من اصلها و صار يلعن الزواج و بقي راهبا .
شاب اخر بنفس الحيثيات السابقة , بحث عن التدين "من وجهة نظره" اكتشف ان
التدين عند النساء غير حقيقي و ان السافرة اكثر وضوحا من المتدينة , لا اعلم كيف
وصل لهذا لكنه وصل و انتهى به المطاف ان تزوج من امرأة لا تعرف التدين , فقط ليريح
نفسه – و هي سبب المشكلة. هذه الاحداث على المستوى الاجتماعي تنطبق نفسها على
الجانب الدعوي . شاب دخل الى مجال الدعوة فانتقد جماعة اسلامية معينة لسبب ما , ثم
ينتقل الى جماعة اسوأ منها في الجانب الذي كان يطرحه هو , او ان شابا اخرا انتقل
من مجال الدعوة الاسلامية ثم انتقد بعض الامور فينقلب الى علماني و يمارس امورا
افظع من جماعته السابقة . او ان شابا كان جهاديا انتقد القتل و اصبح من الجاميين ,
فيصير يؤيد القتل بطريقة افظع عن طريق طاغوته .و قصص كثيرة في هذا الجانب مؤكد
انها تمر في اي مكان و وقت .
الحقيقة الواضحة
وضوح الشمس , ان غالب المنتمين الى الجماعات الاسلامية و حتى العلمانية , لا
يتأثرون بجماعاتهم بقدر ما انهم يبحثون عن شيء ملائم لنفسياتهم . فالجبان مثلا
يبحث عن جماعة تبرر الجبن , و صاحب الحدية يبحث عن جماعة تناسب حديته , و هكذا ...
و ما مفهوم النفسية هنا ؟ انه الهوى بعينه , اي ان كل شخص يبحث عما يناسب هواه , و
هذه هي الخديعة الكبرى , انه يبحث عن ما يناسب هواه فيغلفه بلباس الدين و الفكر .
و لو اراد هذا المرء ان يبحث عن ما يناسب الامة , او يناسب الناس او حتى يناسب
البلد , لاختار اختيارا واقعيا ملائما يستطيع فيه ان يقدم لامته , لا ان يرضي نفسه
.
فاذا كنت تنتمي
الى جماعة معينة , ما الذي تريده منها ؟ هل تريدها كاملة مثالية ؟ و ان كنت تريدها
كذلك فأين سيكون مآلك في النهاية ؟ لأن اي انسان لا يستطيع ان يكون خاويا , هناك
فراغ لا بد ان يملأ . هب ان الجماعة الفلانية لا تعجبك بسبب نقطة او اثنتين , ما
الذي ستفعله ؟ ستنتقل الى جماعة اخرى قد تقنع نفسك انها اصوب من الناحية التي
تحفظت عليها , لكن بالمقابل هل هذه الجماعة الجديدة افضل بالمجمل من الجماعة
السابقة ؟ و اسأل نفسك اولا , هل تحفظاتك على الجماعة بسبب امر حقيقي ملموس يتعلق
بالامة ام بسبب شيء في نفسك ؟ ان نجحت في هذا الاختبار ستحل كثير من مشاكلك .
الامر و ما فيه
, انه ليس هنالك جماعة او دولة او فرد على وجه الارض كامل . و ليست هنالك جماعة
تقارع كل اعداء الدين و بنفس الوقت تسير شؤون الناس و بنفس الوقت تهتم بالجانب
الدعوي و بنفس الوقت تحسن السياسة و بنفس الوقت تحسن الاقتصاد . هذا محال . و ان
كنت تريد تبديل جماعة فورقة و قلم و قليل من الموضوعية و التجرد كفيلات لك بحسم
امرك . سجل الايجابيات و السلبيات لكل جماعة و احسب المعدل العام كما يفعل
المعلمون مع الطلبة, و الاكثر يستحق انتماءك , هذا ان كنت انت اصلا تستحق الانتماء
لتلك الجماعة . اما ان تترك مجال الدعوة او تترك مجال الثورة او تترك مجال الجهاد
لانه لا احد صحيح , فاعلم انك انت اعوج . او ان تترك جماعة لسبب و تلتحق باخرى و
تمارس افظع مما كنت عليه بالجماعة الاولى , فاعلم انك صاحب هوى لا صاحب دعوة . و
اعلم ان قطار الدعوة و الجهاد ماض , بك او بدونك , فاخلص النية لله وحده .
هذا الداء في علم النفس يسمى داء المثالية , اي
ان المرء يفضل عدم الامتلاك اصلا على ان يمتلك شيئا ناقصا و النقص محتوم , او ان
الامر ان لم يكن مثاليا فان المرء ينتقل للضد !!