الأحد، 27 أبريل 2014

في الذب عن الجبال الشاهقة من الغلاة المارقة



في الذب عن الجبال الشاهقة من الغلاة المارقة
الدكتورين الفاضلين  طارق عبد الحليم و هاني السباعي
بقلم : احمد ابو فرحة
لطالما عاهدت نفسي ان احذف من قاموسي كلمة "الاستغراب او الاندهاش" عند التعامل مع قضية الغلاة الذين يهوون بأنفسهم الى بوتقة الخوارج اكثر فأكثر يوما بعد يوم , لكنني و الله و في كل مرة لا تصدق عيني ما ترى و لا اذني ما تسمع من هول الكارثة التي يفعلها هؤلاء . قوم تجردوا من أي شيء الا لحب هيكل نحتوه بأيديهم كما قال الشيخ هاني السباعي . اقوام اقرب الى النساء في الكفر بالعشير , فما ان تمدح البغدادي حتى تصبح من عباد الله المصطفين المختارين , حتى اذا انتقدته و بينت عوار افكاره حتى تصير شيطانا رجيما توصف بأقذع الاوصاف و تكال لك التهم دون جمرك .
سب و تحقير و شتم و تطاول على قمم العصر , اناس لها افضال لا تنسى و وقفات لا تاريخية , نحسبهم من اهل الثقة في هذا العصر . لقد قالها الدكتور طارق عبد الحليم : شعب السيسي افضل من كثير من هؤلاء . فشعب السيسي لم يتربى على الاسلام و لا يأبه للإسلام اصلا و يحاربه و عادي جدا ان نرى منهم كل القذارات , اما ان ترى السب و الشتم و التحقير و الاتهام بالعرض من اناس يرون في انفسهم و يدعون انهم سيرجعون الخلافة و يريدون تحكيم شرع الله فتلك هي الكارثة .
و في هذه العجالة سأخصص الذب عن علمين من اعلام التوحيد في عصرنا و هما الشيخان هاني السباعي و الدكتور طارق عبد الحليم . و سبب حديثي عن هؤلاء الاثنين هو انه كثير من الناس تعرضوا لهما سواء من الخوارج او من انصار الجماعات الاخرى . و لأنني شخصيا متابع لهما منذ زمن سأتحدث بتسلسل يسير عن ما اعرفه عن هؤلاء الجبال .
تعلمنا من هؤلاء المشايخ طريقة الرد المؤدبة على المخالف , حتى لو كان هذا المخالف مخالفا حتى في مسائل كبيرة كالإخوان المسلمين , ففي مقالة كتبها الدكتور طارق عن الشيخ القرضاوي بعنوان ( القرضاوي زلة عالم ام عالم من الزلات) ينتقد الدكتور طارق منهج الاخوان من رأسه الى قعره , و يرد على القرضاوي بكل عنف مغلف بالأدب في مسائل كبيرة و مع ذلك لا ينكر فضله و لا يكفره . هذا ما تعودناه من قبل الاكابر . و للأسف فإننا نرى اليوم اقواما تعد زورا و بهتانا على التيار الجهادي ينسفون المخالف نسفا قد يصل الى  النسف الحقيقي كما في قتل الشيخ ابو خالد السوري . و الادهى و الامر , انهم يستكثرون علينا قول خوارج عنهم !! و الله ان الخوارج افضل و اكثر فروسية و شهامة .
و الشيخ هاني السباعي , اكبر من ان يذود عنه شخص مثلي , لكن منه ايضا تعلمنا آداب الرد على المخالف , ففي مقال له ايضا عن الاخوان المسلمين بعنوان (ما دخلوا ساحة قتال الا و افسدوها ) يشرح و يسهب و يفضح في منهجهم دون التعرض لتكفيرهم انما لإصلاحهم , و عندما ترى منه ما قال في جماعة الدولة اعلم ان الخطب جلل و المصيبة عامة و طامة .
ففي بداية الثورة السورية , ناصر الشيخان الكريمان الثورة و قفوا مع كل الفصائل المقاتلة بما فيها الجيش الحر (قبل ان تصبح له ولاءات خارجية ) و مع قيام جبهة النصرة وقفوا معها بالباع و الذراع و ذبوا عنها حين شكك بها كثيرون . و عندما حصلت المشكلة بين البغدادي و الجولاني , وقف الشيخ هاني السباعي موقف الحياد التام بل و شبه الخلاف الحاصل كالخلاف الذي حصل بين الصحابة و رفض أي مقال في موقعه يطعن في أي طرف و شدد و عنف على اسد الجهاد و عبد الله بن محمد الذين فضحوا الدولة منذ ذلك اليوم و رفض موقع المقريزي مقالات كثيرة منها ما  قد كتبتها شخصيا لأنها اعتبرت المقالات نصرة لجبهة النصرة على حساب الدولة . و وقف الشيخ هاني مع الدولة نصرة للحق , و للحق فان عوار الدولة لم يكن واضحا للجميع , فعند الشيخ هاني و الدكتور طارق , كانا يعلمان ان هناك خلل ما لكن الكبار مسؤولون عن أي كلمة تخرج منهم , فمواقفهم ستغير مواقف كثيرة عند اناس كثيرين . و حتى تبين ان العدناني نفسه و هو رأس في الدولة و قالها علانية دون مواربة , كان للشيخين موقف حاسم و قاصم , طبعا بعد عدة دلالات و قرائن تم تجميعها . و هذا هو منهج الكبار . و هنا نرد على الذين خاضوا في الشيخين من انصار الجماعات الاخرى المجاهدة , و نقول انه كان عنده حق في الشبهات التي يطرحها ضدهم و هي للحقيقة مدخل سوء عند الخوارج للطعن في الاخرين , و من هذه الشبهات هي بعض العلاقات المشبوهة عند اطراف من الجبهة الاسلامية في بعض الدول العربية , و طبعا فان الجبهة الاسلامية حليفة لجبهة النصرة و هنا تساؤل قوي ليس فقط عند الدكتور طارق و عند الشيخ هاني , لكن عند كثير من المراقبين . و طبعا علامة الاستفهام هذه تبقى مجرد نظرة تحتاج الى دليل لا ثباتها او نفي لها , لا ان تكفر الجبهة الاسلامية بالشبهات و من ثم تكفر النصرة لأجل تحالفها مع الجبهة الاسلامية !!
اذا , فالشيخين طارق و هاني كان لهم مبرراتهم في ترجيح كفة على كفة دون اقصاء , و لكن بعد ان تبين لهم الحق , كان ردهما اقسى رد على الخوارج و الاكثر ايلاما , فلماذا رأينا شماتة من البعض و لسان الحال : لماذا الآن ؟ و رد سفيه اخر طرحه انصار الخوارج و انصار غير الخوارج , ان الشيخان طارق و هاني لم ينتفضا الا عندما تم المساس بالشيخ الظواهري !! و هذا عجيب ايضا , فالشيخ هاني له كلمة عتاب قوية لانصار الدولة سجلت بعد استشهاد محمد فارس من الاحرار و فيها كثير من التعنيف على انصار الدولة . و قضية اخرى يثيرها البعض عليهم , بقول الدكتور طارق ان الدولة جماعة نقية . و في هذه النقطة لم يقصد الدكتور انها منزهة كما فهم البعض , انما القصد منها ان الدولة "نظريا" هي اصح الموجود . و في هذه فان كاتب المقال هذا معه في هذه النقطة , لكن عمليا يختلف الوضع عن نظريا . و بعد كل هذا فان الشيخان اعلنا مفاصلة و براءة و هذه تجب كل الاقوال السابقة . لكنني هنا اذب عنهم بما رأيته و بما ادين به و لأنني متابع لهما منذ سنوات طوال افهم طريقة تفكيرهما و يسوئني التهجم عليهما .
في نهاية المطاف , كثيرون هم الذين تهجمت عليهم "الدولة" , ابتداء من المقدسي ثم ابو قتادة ثم العلوان مرورا بالدكتور اكرم حجازي و القنيبي و الحدوشي , و كل اولئك نجوم في هذا الزمان و لا يهمهم نباح من نبح . لكن الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو حجم السيل الهائل من الشتائم القذرة في حق الدكتورين طارق و هاني , و لن اكذب عليكم ان قلت لكم ان مئات الشتائم يوميا ضد الدكتورين في تويتر و فيسبوك بطريقة عجيبة و صادمة ,و كل يوم مقالات جديدة ضدهم , و تهجم اخر و نوع من الشماتة من اطراف اخرى ضد الدكتورين , فما بين شتم و شماتة , شحذ قلمي لكتابة هذا المقال , صدا و ردا و دفعا و ذبا عن عرض و سمو الجبال الشاهقة من قبل الغلاة المارقة , و نسأل الله ان يجزي علمائنا و قادة المسلمين الصواب و الهداية و ان يكف الشر عنهم .

السبت، 19 أبريل 2014

هل كان الخوارج دواعش ؟



هل كان الخوارج دواعش ؟
بقلم : احمد ابو فرحة
"اللهم ان كانت هذه الدولة دولة خوارج فاقصم ظهرها" ... بتلك الكلمات , انهى العدناني خطابه الفاصل مع القاعدة , و للصدق و للأمانة فاني شعرت بحزن كبير تجاه هذا الرجل و الذين يقاتلون تحت هذه الراية , فاليقين الذي عندهم بنقاء منهجهم لا يغني عن الحقيقة الثابتة في  شيء , فاللهم اهدهم الى الحق و ان لم يكن كذلك فقنا شرهم , فان لم يكن كذلك فيتولاهم الله بأمره .
و عودا على عنوان المقال , فان مصطلح "خوارج" ينظر اليه بسطحية من قبل كثير من طلبة العلم و حتى من بعض العلماء انفسهم , فانهم يخشون اسقاطه على فئة او تنظيم بحجة انه لا تتوافر الادلة على كون اولئك الناس خوارج ! فالخوارج يكفرون عوام المسلمين فهل تكفر تلك الطائفة عوام المسلمين ؟ و اين امام المسلمين اليوم الذين خرجوا عليه اولئك القوم ؟  و قبل الاجابة عن هذه الشبهة فلندخل النقاش التالي :
هب اننا عدنا الى زمن الخوارج الاوائل و سألناهم : هل انتم تكفرون المسلمين ؟ سيجيبوننا : معاذ الله ان نكفر المسلمين فكيف لنا ذلك ؟ نحن نكفر كل من ارتكب ناقض من نواقض الاسلام !! و هنا ندخل في متاهة اخرى معهم , ما هي نواقض الاسلام ؟ و كيف ننزل نواقض الاسلام على الفرد او على الجماعة ؟ دوامات كثيرة كلها ستؤدي الى نتيجة واحدة : الخوارج يتركون اهل الاوثان و يحاربون اهل الاسلام كما اخبر الرسول صلى الله عليه و سلم . و من هنا لا عبرة بالشعار الذي ترفعه الفئة الباغية على المسلمين . هذه واحدة .
اما الثانية , هل الخوارج لا يقاتلون اهل الاوثان بشكل كامل ؟ الجواب لا . فلنعد الى الخوارج الاوائل , فقد كانت لهم حروب مع الكفار لكن المشكلة في ترتيب اولوياتهم التي يزعمون انها الحق , و ترتيب اولوياتهم يقتضي ان يتم ابادة "الزاعمين الاسلام زورا و بهتانا" و بعدها التفرغ الى اعداء الله الاصليين . و لنفترض افتراضا اخر , هل لو قدر الله ان ينتصر الخوارج على اهل الاسلام , هل سيقفون عند ذلك ؟ لا لن يقفوا انما سيكملون فتوحاتهم الدموية الى بقية العالم .
اما الثالثة , هل الخوارج الاوائل كانوا يقتلون عوام الناس اينما وجدوهم ؟ الجواب , لا . فكل المناطق التي وقعت تحت سيطرة الخوارج الاوائل كان اناسها يبايعونهم و لذلك هم في امان . اذا فالمسألة مسألة "بيعة" , فمن بايعهم دخل الامان و من لم يبايعهم فانه تحت النيران .
اما الرابعة , فمن يضمن تاريخيا ان الخوارج لم يفترى عليهم ؟ عندما تقرأ تاريخهم تحس انهم وحوش على هيئة بشر من افعالهم الشنعاء ,فيكفي ان يرى الناس فعلتين او ثلاث يندى لها الجبين  و بعدها يصدقون عنهم أي شيء . و لا احد يجزم ان كان كل ما نسب الى الخوارج الاوائل صحيح ام لا , و لكن ذلك الامر لم يغير في حقيقتهم شيء , انهم خطر على الاسلام و المسلمين . خطر على الاسلام من ناحية رسالته المنيرة و خطر على المسلمين في استباحة دمائهم و اموالهم و اعراضهم .  
اذا و بعد هذا , فانه ينبغي علينا اذا اردنا التعاطي مع مسألة الخوارج ان نتعاطى معها بواقعية عملية لا بنظريات , و نقيم ما هو الموجود على الارض . فلا عبرة بالنظريات . فالخوارج الاوائل لم يجتمعوا مع بعضهم و وضعوا دستورا و بنودا يقتضي بأن كل مرتكب كبيرة كافر!! من فكر بهذه الطريقة فان به سذاجة . انما بدأت فكرة الخوارج من شخص عنده غل و حقد و طمع في منصب و بعدها جمع بعض المخلصين تحت شعارات رنانة و بعدها بدأوا بالانحراف تدريجيا الى ان وصلوا ان كل مرتكب كبيرة كافر . فان هذه نتيجة و لم تكن مبدأ . و واقعيا على الارض , فانه بينما كان سيدنا علي سيفتح الشام و يعد الجيوش و يلهب المسلمين ضد الكفار , كان الخوارج طعنة في ظهر المسلمين لان اولياتهم تقتضي ان يحارب اهل الكفر و النفاق المتلبسين بالإسلام لانهم اخطر أولى من محاربة الكفار الاصليين !! و هذه الفكرة موجودة عند خوارج اليوم و صرح بها العدناني القائل : الاخوان المسلمين أشد خطرا من السيسي و العلمانيين لانهم يتلبسون بالإسلام !! فأي فكر يرتضي ان يكون المسلمون على معاصيهم و حتى طوامهم اخطر من الكفار و المرتدين ؟ انه فكر الخوارج بالطبع .
و من هنا نستنتج ان الخوارج ظاهرة و ليست افكارا منتظمة . فكل من يحرف بوصلة الجهاد عن مسارها الاصلي مع شدة الحاجة لأي طلقة فانهم قطعا خوارج . و كل من يقتل المخالف و يرميهم عن قوس واحدة و يجمعهم في سلة واحدة فانه خوارج . و كل من يعتبر نفسه طائفة منصورة بحد ذاته و انه ليس جزءا انما كل , فهو خوارج . و كل من استهان بدماء المسلمين و لم يحسب حسابها بشدة فهو خوارج . و بقيت مسألة تكفير مرتكب الكبيرة لا قيمة لها و لا يهمنا ان صرح بها ام لم يصرح . الذي يهمنا هو الواقع و ماذا يقول . مجموعة من الناس تدخل الى ارض القتال و ليست تحمل الا نتيجتين : اما ان اكون قاتلا او ان اكون مقتولا و ليس فارق بينهما عندهم !! اما ان تبايعني فتسلم و اما ان تكتوي بناري ان رفضت . فما الحل مع اولئك الخوارج ؟
ان لفظة "الخوارج" ليست كلمة شرعية اصيلة في الدين , انما مصطلح اطلقه المسلمون على فئة معينة , و قد يطلق المسلمون مصطلح اخر على فئة اخرى في زمن اخر , و المضمون واحد . فان رجعنا للخوارج الاوائل و سألناهم : هل انتم دواعش ؟ سيجيبون : معاذ الله ان نكون كذلك !! و ان سألنا داعش اليوم : هل انتم خوارج : سيجيبون : معاذ الله ان نكون كذلك . و بعد سنين لاحقة و ان قدر الله و نبت للخوارج قرن آخر و سألناهم : هل انتم داعش او خوارج : سيجيبون قطعا لا . و هكذا فان سنة الله ماضية في عباده من تنقية و تمحيص و ابتلاء و نسأل الله السلامة .

الاثنين، 14 أبريل 2014

دروس داعش القاسية فهل من متعظ ؟

دروس داعش القاسية
فهل من متعظ ؟
بقلم : احمد ابو فرحة
كغيره من التيارات الأخرى , كان للتيار الجهادي و برغم كل قوته و فضله نواقص و عيوب تراخى الشيوخ في إصلاحها عبر الأيام , فالكمال لله وحده و لكن الحقيقة المؤلمة أن التيار الجهادي لم يكن ليقف وقفة قوية في وجه الغلاة إلا عندما دفع من ماله و دمائه و شبابه و جهده , وقتها أدرك القائمون أن هناك مسألة جلل و خطب عظيم لا بد من إصلاحها , و لا يزال آخرون يقفون وقفة أهل البرزخ لا إلى أولئك و لا إلى أولئك متسترين بالورع البارد أو الورع في غير محله و لن يقولوا كلمة حق إلا عندما يأتيهم الدور . سنة الله الماضية و لا اعتراض على حكمه.
مخطئ من ظن للحظة أن مشكلة داعش مشاكل خلافية في الطرح أو الأسلوب , إنما كانت نتاجا لتاريخ طويل من مرض أصاب هذا التيار منذ بدايته و استفحل الأمر باكتمال أسباب و مسببات.
خلاصة الأمر , إن قادة التيار الجهادي قالوا كلمتهم و يصلحون الآن , و لكن حتى هذا الأمر يسير على خجل و ليس على عجل , مما قد يؤدي إلى مزيد من سفك للدماء و زهق للأرواح و الله المستعان . و بعد هذه الأحداث الكبيرة لا بد لنا من الوقوف على بعض الأمور :
1- السكوت عن الخلل في بدايته يؤدي إلى أن يصبح هذا الخلل نهجا فيصعب تغييره لاحقا . و لقد سكتت القاعدة عن كثير من الأخطاء الكبيرة بحجة أنها لا تريد شق الصف و الحديث أمام الإعلام و أمام العوام و حاولت علاج هذا الأمر داخليا لكن دون جدوى . و النتيجة , أنها آثرت مصلحة التيار على مصلحة الأمة .و بالتالي بعد أن لم يتبق مصلحة مع أناس داخل التيار وقفت القاعدة مع الأمة . حقيقة ما كان لينكرها إلا متعصب و الحمد لله أن حسمت القاعدة أمرها أخيرا , فان تصل متأخرا خيرا من أن لا تصل .
2- إسقاط الشيوخ و الرموز بهذه السرعة و الطريقة لمجرد المخالفة عمل لا يقوم به ذرة من ورع , فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"
و لم يبق شيخ و لا عالم سواء من داخل التيار الجهادي أو خارجه لم ينله قسط من التكفير و التخوين و الهمز و اللمز , حتى انه وصل مع احد إعلاميي داعش المعروفين على تويتر انه قال لي عن الشيخ المقدسي انه ربما تم اغتصابه حتى قال ما قال في الدولة!! أي دين هذا و أي ذرة ورع و إيمان .و حتى الشيوخ الذين ناصروا داعش فتمت مهاجمتهم لأنهم لم يسيروا على ما يهواه المناصرون و القادة مئة في المئة , فان لم يكن هذا غلو و خارجية , فما هما إذا ؟
و من أسفه الردود التي قد تسمعها أن هذه الآلاف المؤلفة من المعرفات على تويتر و فيس بوك و حتى من شرعيين لا يمثلون الدولة !! لا يحتاج الأمر إلى عبقرية زائدة في كشف هذا الانحراف القاتل , فالبعرة تدل على البعير و السير يدل على المسير , أفكل هذا التخوين و التقتيل و التكفير لا يدل على فكر منحرف خبيث خطير ؟!!
3- الحقيقة الثالثة أن "عقدة المنهج" شكلت مشكلة كبيرة عند التيار الجهادي و عن أفراده و مقاتليه , و لكن في الآونة الأخيرة بدأ التيار في الانفتاح على الآخرين محافظين على الثوابت و أصبح التعامل مع المخالفين أفضل من ذي قبل بالنسبة لكثير من المناطق في العالم و قد توج هذا الانفتاح المحمود في سوريا عند جبهة النصرة , فنرى تلاحما كبيرا بينها و بين بقية الفصائل الإسلامية و هذا هو الأصل في الإسلام أن تكون مسلما لا أن تكون سلفيا جهاديا !!أن تكون مجمعا لا أن تكون مفرقا . فان أصبحت جهاديا فلتمثل هذا النهج بأروع صوره . كان في السابق  يكفي أن تتهم شخصا أو جماعة بالسرورية أو الإخوان مثلا حتى تسقطهم بالكامل و تكذب روايتهم أو حتى لا تسمعهم أصلا !! منذ متى كان هذا نهج العدل ؟ أليس من الممكن أن يكون هذا السروري أو الاخواني مظلوم مثلا ؟!
إن الاختلاف موجود و النقد للآخر موجود و طبيعي لكن هذا لا يعني التعامل معه و كأنه ليس مسلما ما دام لم يرتكب ناقضا للإسلام واضحا لا لبس فيه ليس مجرد ظنون و اشتباهات .
4- الحقيقة الرابعة هي انه لو لم تحل مشكلة الخوارج بشكل جذري في سوريا و بشكل مفاصلة علنية , بل و بلهجة تحريضية على هذا الفكر و بالاسم , فكل ارض من أراضي المسلمين قد تشهد صراعا و بذل دماء مثل ما حدث في سوريا. بذرة الغلو موجودة و على القائمين أن يحاولوا أن لا تنبت هذه البذرة . فحادثة المستشفى العرضي في اليمن تحتاج إلى وقفات و ليس إلى وقفة واحدة و حتى خطاب القاعدة في اليمن كان مع كل الاحترام غير كافي بالتبرؤ من الفعل نفسه , بل و يجب التبرؤ من الفكر الذي أدى لهذا الفعل و من الذي قام بالفعل . فذلك القاتل لم يكن ليفعل فعلته لولا يقينه بأن هؤلاء الموجودين في المستشفى ليسوا مسلمين لان هذا المستشفى عسكري فهو للطاغوت , و من يعالج به هم أهل الطاغوت الذين لم ينكروا على أبنائهم العساكر و كل من يعمل في المستشفى طاغوت , و كلنا يعلم هذه المتسلسلة العجيبة في الإسقاطات .
5- التيار الجهادي تيار استنهاضي لطاقات الأمة و هو تيار تجميعي و ليس تفريقي . لذلك يجب أن يكون الخطاب بسيطا و واضحا , و خطاب النخبة الداخلي يكون مغايرا عن خطاب الأمة . و في حال لم يتعامل التيار بشكل صحيح مع الفئات الأخرى و الفصائل الأخرى فانه قد يكون التأثير سلبيا . فلا بد للتيار الجهادي أن يعامل الآخرين معاملة الأب الحنون لا اقتناص الأخطاء و الوقوف بعدائية مع الجميع . و ينبغي عدم الاستعلاء في لغة الخطاب كأن من يتحدث معلم فطحل و الذي يخاطب طالب فاشل ينتظر العقوبة !! و من منطلق الأب الحنون على الآخرين فان هذا الأب لا ينبغي له أن يكره فتياته على البغاء كما تحدثت الآية الكريمة . و كيف لأب يكره فتياته على البغاء ؟ طبعا بسوء المعاملة و الحرمان . و نفس الأمر لا تكرهوا الآخرين على أن يصبحوا صحوات !! ما كان مسلم في قلبه إيمان أن يصبح صحوات إلا بمال و مطامع أو بسوء معاملة معه , لذلك فليسحب التيار الجهادي البساط من تحت الفصائل و بالذات الإسلامية في النقطة الأخرى لا أن يتحسس شنشنة الصحوات قبل الأوان و يبقى يصر عليها أنها موجودة و يقتل و يسفك الدماء لأجلها و بعد أن يصبحوا فعلا صحوات يقول : الم اقل لكم أنهم صحوات ؟!
6- الملاحظة الأخيرة : الصراع مع أعداء الدين صراع أمة بكافة تياراتها و انتماءاتها لا صراع نخبوي بنظرة ضيقة , و نذكر البعض أن هناك ملايين المسلمين يعيشون على هذه الأرض لا ينتمون للتيار السلفي الجهادي و ليس مطلوبا منهم ذلك !! لذلك فالرفق الرفق و إن كنت أنت أيها الجهادي رأس حربة الإسلام كما تدعي , فلا تنس انك جزء صغير من هذه الحربة الطويلة التي لولاها ما فعلت أي شيء !!

السبت، 5 أبريل 2014

فلسفة حول داعش بقلم : احمد ابو فرحة



فلسفة حول داعش
بقلم : احمد ابو فرحة

قد يتخيل البعض ان مشكلة داعش هي وليدة العام الماضي بعد اعلانها في الشام و قبلها في العراق . مخطئ من ظن للحظة ان هذه المشكلة عمرها عام واحد فقط . داعش و ان اخذت هذا الاسم حديثا الا ان هذا اللفظ يعبر عن معاني كثيرة و ارث كبير و واقع موجود نراه سياسيا و عسكريا و حتى في شتى مجالات الحياة , فداعش اكبر و اعظم ان تحصر في تنظيم او في جماعة او حتى في دولة !! هي منهج حياة ينتهجه كثيرون خاضوا غمار الحياة و فهموا ما وجب فهمه بطريقة مقلوبة و عاشوا بطريقة معكوسة و تظاهروا بمثاليات و قيم قد تنطبق على أي شخص الا هم . داعش مشكلة عمرها عمر التاريخ و ان لم تكن لها اسم مبلور بعد .
و للإنصاف فان الانسان لا يولد داعشيا بالفطرة , فالفطرة السليمة تتنافى مع مفاهيم و سلوكيات داعش , و يصبح الانسان داعشيا بعد اكتمال عوامل قاسية و ظروف معينة .
و لا تنحصر الطريقة الداعشية في التعامل في دين محدد!! مخطئ من ظن هذا , فهناك داعشي نصراني و هناك داعشي يهودي و هناك داعشي بعثي و داعشي اسلامي و داعشي اخواني و داعشي تحت صفوف القاعدة . فكرة داعش في أي مكان قد تجدها . و قد يكون المرء داعشيا بشكل جزئي و قد يكون كليا . داعش بيئة خصبة لكل مأزوم نفسي و كل حاقد بسبب ظلم و كل سادي قذر و لكل متنطع يحب البروز و لكل منبوذ اجتماعي و لكل فاشل في حياته اراد ان يعوض تكرار فشله فاختار هذا الطريق . و قد تكون داعش كل اولئك .
و اكثر ما يفرح به الطواغيت و الدول الاستعمارية وجود داعش بين ظهراني الشعوب . لان داعش ببساطة تريحهم من كثير من المهام . فداعش بالمفهوم العسكري المقاتل تعني خلل في ترتيب الاولويات لخدمة الاعداء . كما ان احد تعريفات داعش هي كل فكرة او كل مفهوم او كل محاولة تتحدى سنن الحياة في التغيير بطريقة تخدم الاعداء من جهة و ترضي الغرور من جهة اخرى اضافة الى اذى من حولك من جهة ثالثة .
قد يخطط الاعداء لسنوات طوال لمكر معين , فيأتي من يحمل فكر داعش و يسهل عليهم هذا الامر بفترة قصيرة وجيزة باسم المثاليات .
حتى تنضم لفكر داعش , و على عكس كل الحركات الاخرى التي تطرح اجمل ما عندها للجذب , فان داعش تطرح اقذر ما عند الاخرين بتخوين و تكفير مما يلاقي استحسانا في النفوس المريضة , و بعد انتقاد الجميع و غياب لغة التآلف , تصبح بؤرة بث الاشاعات و بؤرة السب على الاخرين قبلة يحج اليها كل من يرى الامور بعين الكره و الحقد و الغل .
كما ان فكر داعش بسيط جدا و قوي في نفس الوقت , اذ يقوم الامر على مثالية معينة مسلمة بها , و طبعا فان عكس هذه المثالية هي الشر بعينه , ثم تقوم بعد ذلك بسلسلة من الاسقاطات السقيمة الشيطانية بمتسلسلات عجيبة تطعن بها كل البشر الا من يقف في صفك عن طريق المثالية الفرضية الاولى , و تصبح في دقائق منظر و قائدا و مكفرا و مفكرا و عالما يشار اليك بالبنان عند الدواعش .
كما ان داعش لا تعترف بحدود و هذه اشهد لها بها , ففي كل العالم عشرات من داعش باسماء اخرى , و اضيف انها لا تعترف بتاريخ احد و لا بقدسية احد , و هذه الاخرى نشهد لها بها , فالكل عندهم تحت المطرقة و لا كرامة لاحد . و قد يصل الامر الى تسفيه مؤسس داعش نفسه اذا اراد للحظة ان يوقف مسارا خاطئا او حتى اراد ان يلتوي لمصلحة معينة لا تتناسب و اهواء الدواعش . مشكلة صعبة و لا حل معها الا بانقاذ رباني . فقل لي بربك كيف تستطيع ايقاف شخص مستعد للقتل و الذبح و قتل نفسه و تفجيرها بك اذا اعتقد انك كافر و انه يتقرب للقاء ربه عن طريق اشلائك ؟ معادلة صعبة قد تكون فيها انت الضحية دائما .
في داعش , احذف من قاموسك كلمة "الاستغراب " و " الاندهاش" من أي شيء . عادي ان ترى أي شيء و عادي ان تسمع أي شيء. رؤوس مقطوعة لمجاهدين !! اسيد يوضع على وجوه المجاهدين !! تقتيل للعشرات بلحظات !! تباهي بتشويه الجثث !!
كل ذلك رأيناه و سمعنا تبريراته . لا مجال لنفسيتك السوية ان تتحمل كل ذلك , فلذلك تجبر اجبارا ان تقف في وجه داعش , و هم بالأصل لا يريدون احدا معهم و لا يهمهم احد , و لسان حالهم يقول : لا نريدك و ليتك تصبح ضدنا لنعيش على اشلائك و نتلذذ بشراب دمائك كما قال متحدثهم !!
كما ان داعش قد تكون في المجال الاقتصادي !! عجبا . نعم قد يفكر المرء بطريقة داعشية في مشروع معين دون حساب للسوق و أي شيء سوى انه يريد اقامة ذلك المشروع , فيصب عليه الوقت و الجهد و المال و بالأخير لا يحسب حساب للواقع , فيخسر خسارة عنيفة تودي به , ذلك هو الاقتصاد الداعشي !!
و الادهى ان تسمع ان هناك طريقة رياضية داعشية في اللعب !! فقد يظن فريق رياضي انه قاب قوسين او ادنى من النصر و هو ليس لديه أي مقومات , فيدخل المباراة دون حساب او اعداد او حتى خطة , فيخسر الفريق خسارة قد تجعل كل اعضاء الفريق يعتزلون اللعب نهائيا !!
لكن الذي يبشر بعد كل هذا , ان ظاهرة داعش ظاهرة مؤقتة , تصل الى ذروتها ثم ما تبرح ان تزال الى الهاوية , فما كانت حياة لتمشي و يقودها اناس ممن يحملون فكر داعش .
و لداعش مزايا و فوائد و حسنات كثيرة , لكن عندما تصبح خطرا عليك , وجب عليك ان تخفي كل المحاسن لأنه مهما كثرت المحاسن لن تصل الى عمل سادي واحد يخرق فطرة المسلمين !!
و امر آخر , فليس هناك شخص لم يمر في حياته في حالات داعشية , فكاتب المقال هذا كان يوما قريبا منهم و كل شخص مهما كان الا و دخل في تلك المرحلة المؤقتة من حياته قبل الاستيقاظ !
قد يقولون في نهاية المقام : انت حاقد على داعش و قبلك مليء بالحقد و كثير من التهم , و اجيب اخيرا : اقسم بالله غير حانث انني استنفذت كل مقاومتي لكره احد و كل انصافي و استنفذت كل ما عندي من موضوعية و كل ما عندي من دفاع , لكن دون جدوى و اضطررت اخيرا ان اقف في صف المسلمين ضد الفكر الداعشي المدمر و لعل قسمي قد ينطبق على آلاف مؤلفة غيري و الله المستعان .