الاثنين، 4 ديسمبر 2017

Game Over !

Game Over !
بقلم : احمد ابو فرحة
كنا في الطفولة و عند القيام بلعب العاب الفيديو , نجهز اللعبة محضرين معنا كأسا من النسكافيه , و قليلا من "الفوشار" و نجلس على الكرسي و نحضر كرسيا أخرى لنضع عليها اقدامنا , و بكل اريحية و رخاء نبدأ باللعب في العابنا المضفلة . و بعد ان نتقدم بمراحل عندها "نموت" فكيتب لنا الجهاز (Game Over ) فماذا نعمل وقتها ؟ بكل بساطة نبدأ اللعبة من جديد . في الحقيقة لم تكن "الميتة" في اللعبة شيئا يؤثر علينا , لاننا نستطيع اعادة اللعبة و نلعب من جديد و نستمتع اكثر . هذه الحالة , ان "نموت" و نبدأ مرة اخرى و نحن مسترخيين , تصيب كثيرا من انصار الجهاد و انصار الثورات و انصار المناهج و الافكار ( غير الفاعلين على الارض ) , فالثورات و الاحداث الجهادية و ارواح البشر و مصائر الامم كله لا يؤثر عليهم بشكل حقيقي , اللهم انه يؤثر على استمتاعهم و قضاء و قتهم و اشغال انفسهم الفارغة باحداث الامة الجلل . فان خربت البلاد و فشلت التجارب و ضاع ما ضاع , ما يؤثر على اولئك ؟ لا شيء . ببساطة Game Over !  و بعدها يغيرون اهتمامهم الى ساحة اخرى من دماء المسلمين , الى مرحلة اخرى تعبئ عليهم واقعهم الفارغ !
و احداث الامة الجلل كثيرة و لا تنتهي الا بانتهاء الارض , و اولئك الذين يتابعون الاوضاع دون الاحساس بما يجري على الارض متنعمين بالامن و الذين ينظرون على من يقبع تحت القصف و المدافع , لا يفرقون شيئا عن متفرجي المباريات و عن لاعبي العاب الفيديو . بكل بساطة يفتح الشخص حاسوبه بعد ان يعد كاسا من النسكافيه و يمد رجليه على الكرسي و يتابع , و يكتب و يعلق و يزاود , بالضبط كمن يتفرج على المباراة و يقول لو فعل المدرب كذا او لو مرر اللاعب كذا لكان كذا ... تسلية و تنظير لتعبئة الفراغ . السؤال : ماذا لو كنت في الميدان الحقيقي ماذا ستفعل ؟
و ليس الامر ان لا يتابع المسلم قضايا امته , فمتابعة قضايا المسلمين و نصرتها واجب على كل مسلم , لكن بنفس الوجع الذي يحسه المسلم و بنفس النظرة التي ينظرها و هو تحت القصف , بما يخدم مصالح المسلمين المضطهدين لا بما يوافق هواك و فكرك الذي لا يمت بأي صلة للواقع . يشمل هذا الكلام شيوخا و كتاب و مفكرين و اشخاصا عاديين متابعين و اصحاب رأي , فقضية المسلمين ليست لعبة عندك و ان تذرعت باي ذريعة بانك حامي حمى التوحيد او حامي حمى الثورة او او ... ف Game Over  هنا تعني خراب بيوت و قتل للمسلمين اكثر و فساد بالارض .
على المسلم ان يشغل نفسه بما ينفعه اولا و لا تكون قضايا الامة عنده بمثابة تسلية لتعبئة الفراغ , لان الشيطان بارع في هذه الحيلة , فان كنت صاحب رأي مسموعا عند كثيرين فانتصر لامتك و لا تنتصر لهواك او لحقدك . على اية حال , فان الامة اليوم قد تجاوزت كثيرا من اولئك الذين ملأوا الدنيا و شغلوها بفراغهم , و ان كل من تربت نفسه الى Game Over  او ما يشابهها فان غربال الايام قد قال لهم : Game Over !

الواقع الاليم ينتصر على النظرية الجميلة , و اننا في مرحلة ارجاع عز المسلمين , و كل التشغيبات من المشاغبين و " الهوائيين " ما عادت تؤثر على جيل قرر ان يغير و قرر ان ينتصر للاسلام لا للعصبيات و الهوى , و ان نصر الله قريب .

الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

ما بين رؤيتين : القاعدة و هيئة تحرير الشام

ما بين رؤيتين : القاعدة و هيئة تحرير الشام
بقلم : أحمد أبو فرحة

بعد خطاب الدكتور ايمن الظواهري الاخير المنشور في 28 تشرين ثاني 2017 باتت الرؤية واضحة عند كل من الظواهري و الجولاني , و بات ان فك الارتباط امر حقيقي غير شكلي و ان منهج كل جماعة بات مختلفا عن الاخر . و هنا نسرد بعض الملاحظات و التعليقات  المهمة بعد خطاب الدكتور ايمن الجديد .
1- هيئة تحرير الشام مشروع سني سوري عدوه الاصلي هو بشار الاسد و تنظيم القاعدة تنظيم عالمي عدوه الاصلي امريكا . و تعليقا على هذه النقطة , فان الدكتور ايمن يخاطب من يخاطب في سوريا و عنده تصور ان عدو هيئة تحرير الشام و عدو السوريين الاول هو امريكا , فيقول لهم : " كي ترضى عنكم امريكا " . و هذا احد الخلافات المهمة بين الظواهري و الجولاني . لقد غاب عن الدكتور ايمن ان صراع كل منطقة مختلف عن الاخر , فالقاعدة المبايعة لطالبان عدوهما الرئيسي امريكا لذلك من الطبيعي ان تعمل طالبان و القاعدة في افغانستان للاستفادة من الروس نكاية في الامريكان , و ان لم يشأ البعض تسميتها استفادة , فلنسمها غض الطرف من روسيا عن القاعدة و طالبان . فلماذا لا يخاطب الجولاني تنظيم القاعدة و طالبان لماذا تستفيدون من الروس و هم اعداؤنا المباشرين ؟! اذا , فلكل ساحة قتال طبيعتها و تعقيداتها و ليست افغانستان هي محور الصراع و ليست فلسطين هي محور الصراع , فكما نستخلص ان لكل ساحة اعداء مباشرين و اعداء غير مباشرين , فان استفاد المجاهدون من العدو غير المباشر لصالح ضرب العدو المباشر فاين المشكلة؟
2- يصر الدكتور ايمن الظواهري على ان فك الارتباط يكون بشرطين لا ثالث لهما , ان تذوب الجماعات مع بعضها و ان يشكلوا حكومة اسلامية , وقتها القاعدة بحسب الدكتور ايمن الظواهري ستتنازل عن التنظيمية . و هذا الكلام من بعيد يبدو جميلا لا لبس فيه , لكن مشكلته الوحيدة انه غير قابل للتحقق !! اي مجاهدين سيتحدون و سيشكلون حكومة اسلامية ؟ لقد بذل الجولاني الغالي و النفيس لاجل هذا الامر و اصطدم بما اصطدم , و اول ما اصطدم به هم الجماعة التي يدافع عنهم الدكتور ايمن و يناصروه الآن , الذين تركوا النصرة و فتح الشام و هيئة تحرير الشام لاجل اسباب تافهة و تحت غطاء الحفاظ على التوحيد !! فالكلام النظري الانشائي الوردي سهل , لكن الواقع هو المهم .
3- يخاطب الدكتور ايمن الظواهري " اخواني المجاهدين في الشام " , و هنا لا نعلم من يقصد بالضبط , هل اخوان القاعدة المجاهدين من الفصائل الاخرى الذين بسببهم رفض اتباع القاعدة الجدد الانضمام لهيئة تحرير الشام !! حقيقة هنا تناقض كبير جدا . الكل يعلم ان انصار القاعدة الجدد في سوريا تركوا النصرة و ما تبعها من تشكيلات بسبب ان الجولاني يتقرب من "الاخوان المجاهدين " في الشام , و انصار القاعدة الجدد اعتبروا ذلك دخنا في التوحيد . بمعنى ان الجولاني عمليا تقرب من اخوانه المجاهدين بالشام و القاعدة و انصارها هم سبب الخلاف و بنفس الوقت ينظرون انهم يريدون الالتحام مع اخوانهم بالشام !! الا ان كان قصد الدكتور ايمن هم انصار السلفية الجهادية في الشام هم المقصودين بكلامه اخواني المجاهدين بالشام , و هنا نحن امام ضيق افق تنظيمي كبير تجاوزته الساحة السورية قديما .
4- يخاطب الدكتور ايمن الظواهري و كأن القاعدة لها رصيد شعبي هائل في الشام , و هذا امر مخالف للواقع , لأن الحقيقة تقول ان القاعدة في الشام ليس لها رصيد شعبي يذكر , بضع عشرات او بضع مئات , و هذا لا يقلل من شأن جهادها , لكن الحقيقة المرة التي يتغافل الدكتور ايمن عنها ان امريكا و الانظمة العربية نجحوا في اقناع الشعوب عبر سنين ان القاعدة سبب من اسباب البلاء و يشمل هذا اعمال غير مقبولة قامت بها القاعدة هنا او هناك , و بسبب الكارثة الداعشية التي تأخرت قيادة القاعدة في مفاصلة الورم السرطاني الذي نخر هذه الامة عبر بوابة القاعدة و بسب و بسبب ... هناك اسباب كثيرة , و الخلاصة ان القاعدة ليس لها رصيد عند الناس في سوريا , فلماذا الاصرار على ربط مصير ملايين البشر المسلمين المضطهدين باسم القاعدة؟! هل الاسم غاية ؟ نعم قد يكون غاية عند الكثيرين .
5- كعادة خطابات قيادة القاعدة فانها تأتي متأخرة و غير مواكبة للاحداث و تغوص في تفاصيل تجاوزتها الساحة قديما .من بايع من و فلان يبايع فلان و ما شكل هذه البيعة و امور لا تؤثر علىطبيعة الصراع .  ففي الوقت التي كانت داعش تذبح المجاهدين من النصرة و الاحرار و غيرهم كان الدكتور ايمن يخاطب ابراهيم البدري بحفيد رسول الله !! السبب ؟ ان الدكتور ايمن يعيش في عالم يحصره ببعض الاشخاص . ما ينقله هؤلاء الاشخاص "الثقات" على ضوءه يتكلم الدكتور ايمن . و نحن في عصر السرعة و الانترنت , و الامة تجاوزت البوتقة التنظيمية و المنهجية .
6- للاسف تغلب "الشخصنة" خطابات القادة و المنظرين و المشايخ , فقد ورد في خطاب الدكتور ايمن اكثر من 18 مرة كلمة انا او ضمير الملكية "ي" , و هذا امر يعكس ان طبيعة الصراع مع الجولاني فيها نوع من الغيرة . و هذه الظاهرة تم رصدها عند اغلب المنظرين كبار السن , و كأنهم يستكثرون على الشباب ان يقودوا امة و ان خبرتهم و سابقتهم و تضحيتهم ترغم الاتباع ان ينصاعوا لهم , و في عصر السرعة يثبت من يواكب اول بأول و من يستشرف الاحداث يستحق الجدارة لا من يأتي دائما متأخرا !!
7- هدف القاعدة هدف عام "قتال الكفار و المشركين " و هدف هيئة تحرير الشام هدف محدد " قتال النصيرية و من والاهم في الشام " . يقال في علم المناهج و تطوير الذات انه اذا اردت ان تضع هدفا لك , لا تضعه عاما غير قابل للقياس . فسهل جدا ان تقول اريد ان اصبح لائقا صحيا , و لكن الاصعب ان تركض كل يوم 5 كيلومترات فتخسر في الشهر 5 كيلو. في تحديد الهدف تكسب امرين , الامر الاول انك تحيد الخصوم و تكسب الحلفاء . و الامر الاخر انك تكسب التعاطف كون الاهداف الخاصة اكثر تأثيرا , اضافة الى انك تستطيع تقييم نفسك بشكل افضل. فلو جئت لاهل الشام و سألتهم عن قوس واحدة : ما هدفكم ؟ لقالوا بصوت واحد : اسقاط النظام . و ان اي جماعة تقوم بعمليات ضد النظام يقفون معها . فمالهم و مال امريكا و مالهم و مال اي مسألة اخرى . في الوجدان هم مسلمون موحدون يكرهون امريكا و الصهاينة و كل من يؤذي المسلمين , لكن الواقع فرض عليهم ان يصبوا جام كرههم للنصيرية التي اذاقتهم الويلات .
8- ان الانفكاك عن القاعدة فعلا و حقيقة جنب الجولاني و من معه صراعات هو كان في غنى عنها و بنفس الوقت عرى اولئك "الاخوة" الذين رفضوا الاندماج معهم بسبب القاعدة و كشف زيف ادعائهم و كشف خبثهم , و اعطاه هذا الامر حرية اكبر للتفاعل مع الاحداث , و ما كانت تركيا لتتعامل مع هيئة تحرير الشام لو كانت فعلا تنظيم قاعدة . و حتى اليوم هم يعاملونهم بشكل غير مباشر . قد يقول قائل من بعيد بكل بساطة : و ما الفائدة؟ الفائدة ان صداما كان سيحدث بين الاتراك و الهيئة يحرق الاخضر و اليابس و يقتل ما تبقى من امل للثورة بسبب اسم !

ان الامة بكل ما مرت به من الام و تجارب تجاوزت موضوع التنظيمات و قدسية العلماء و قدسية القادة , اليوم الامر مختلف , الواقع من يفرض الناجح و من يفرض الفاشل , و التاريخ و البريق و الوهج لا تنفع في خضم الاحداث الجسام التي تعصف بالامة . هيئة تحرير الشام تسير نحو الهدف المنشود مستفيدة من كل الاخطاء و تحتاج الى من يسندها و يقف معها لا ان يطعن بها تحت مسميات و تحت شعارات غير حقيقية واقعيا , جميلة وردية في العالم الضيق المحصور داخل الافق الاضيق !

الاثنين، 30 أكتوبر 2017

الواقعية الجهادية من ضيق المناهج الى سعة الواقع

الواقعية الجهادية ... من ضيق المناهج الى سعة الواقع
بقلم : أحمد أبو فرحة
لطالما عانى التيار الجهادي من معضلتين اساسيتين , و قد تكونا متلازمتين . المشكلة الاولى هي الغلو و ذلك لتبنيه مناهج محددة يتصور شيوخها انها الطائفة المنصورة و لاجل ذلك يعقدون على تلك المناهج الولاء و البراء , متسببين بتلك المعضلة في اصطدام مباشر غير ضروري و لا واقعي مع مناهج اسلامية مخالفة اخرى , قد تكون بعضها قد حالفت اعداء الامة لسبب او لاخر , لكن حرج الوقت و صعوبته في ظل تكالب اعداء الامة يجعل من تلك الصدامات تخدم الاعداء المباشرين . اضافة الى ازهاق ارواح ابرياء في معارك ثانوية لا تحتملها الامة في الوقت العصيب . و ان تبني مناهج سطرها شيوخ يخطؤون و يصيبون و قد يكونون اصلا بعيدين عن واقع الجهاد هي الازمة الاكبر التي عانى منها التيار الجهادي . فكان لزاما على حركات التيار الجهادي ان يفتي في نوازلها من على الارض , ممن يعايشون التجربة و ينزعوا تلك القدسية العمياء التي بالغوا في اعطائها لاصحاب النظريات . فالتيار الجهادي الشعبي صاحب القضية يقود بواقعيته  و لا يقاد بنظريات , يركز على المعركة الاساسية و يتجنب اي معركة ثانوية لا تخدم الا العدو المباشر .

نظرية العدو الاول و العدو الثاني :
في ظل الاحداث المتشابكة و في ظل كثرة اللاعبين و كثرة الاطراف و كثرة المصالح , لا بد من فهم نظرية العدو الاول و العدو الثاني . كل جماعة , تنظيم , حركة لها اكثر من عدو . فان صنفت العدو (س) هو العدو الرئيسي اصبح العدو (ص) هو العدو الثانوي , اي اصبح "صديقا" او ربما اصبح "ضمن هدنة قسرية" او لربما اصبح "خارج الحسابات في المرحلة "
المشكلة كانت في تحديد العدو 1 و العدو 2 . و في الحالة السورية نجد ان العدو رقم 1 هو النظام السوري و كل من يدعمه , لذلك يصبح كل عدو اخر بمثابة "صديق" رغم العداوة , او بمثابة "حليف" رغم الاختلاف , او بمثابة "خارج الحسابات" رغم كل اذاه .
و لربما بمثال بسيط , نجد ان اتهام داعش بالعمالة للنظام ينبع من اتخاذ داعش للثورة السورية العدو الاول , فيصبح النظام شبه حليف رغم العداوة , و لربما رغم الاثخان بهم !!
فبوضع النظام السوري العدو رقم واحد , يكون التيار الجهادي قد وضع الحد الادنى للتوافق مع بقية المكونات الثورية و مع بقية اعداء النظام السوري . و ما كان ليصد هذه الواقعية الجهادية عن هذا الفهم الا تنظير المناهج , الذي و باسم العقيدة ربما يضع العدو الاخطر مكان العدو الاقل خطرا . و في حالة هيئة تحرير الشام نجد الواقعية الجهادية تتجلى في التحالفات و السلوك .

التنظيم او الجماعة وسيلة ام غاية ؟
ان التغير مع الحفاظ على المبادئ ( التجديد ) سمة تحسب للجماعة لا سيئة تحسب عليها . فما هو الهدف الذي تريده جماعة معينة ؟ اليس قتال الاعداء و حفظ بيضة الاسلام و نشر الدعوة و تطبيق حكم الله ما امكن ؟! هذه هي الثوابت و البقية متغيرات , متغيرات في التحالفات و في الاندماجات و التغييرات . ثم انه من الغباء ان تسلم نفسك لقمة سائغة لاعدائك لمجرد انك تحافظ على اسم او على راية . فالغاية الاكبر هي حفظ بيضة الاسلام و الوسائل متاحة و كثيرة و منها التورية و تغيير الاسماء و الرايات و التحالفات . ذكر في السيرة ان الرسول صلى الله عليه و سلم كان مع ابي بكر فاراد ان يعرف اخبار قريش من اعرابي , فسألهما الاعرابي : من انتما ؟ فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : نحن من ماء . فتوهم الاعرابي انها قبيلة اسمها ماء , و الرسول صلى الله عليه و سلم يقصد " و جعلنا من الماء كل شيء حي " . فقال العلماء ان الرسول صلى الله عليه و سلم استخدم التورية حفاظا على حياته و حياة ابي بكر . فان كان الحبيب محمد و هو النبي قد استخدم التورية , فلماذا لا يستحدم الجهاديون هذا الاسلوب و هم في امس الحاجة اليه مع كثرة الاحداث و كثرة الالغام حولهم و امامهم ؟

الجهادية الواقعية تتعامل مع الاحداث بكل مرونة و تغير , لما تقتضي الحاجة , و ليس هذا تنازلا و لا بيعا و لا نكثا للعهود و لا اي من هذه القيود الوهمية التي لطالما حدت من استمرارية و تمكين و فعالية التيار الجهادي . 

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

و انتصرت الواقعية الجهادية في الشام

و انتصرت الواقعية الجهادية في الشام
بقلم : احمد ابو فرحة
شكل التوافق التركي مع هيئة تحرير الشام صدمة كبيرة لاكثر من طرف في الثورة الشامية . و هذه الصدمة القت بظلالها على نقيضين يحسبان على الثورة و الجهاد . فكان السيناريو المأمول عند متسلقي الثورة ان يضرب الاتراك هيئة تحرير الشام فيحدث الاستنزاف بين قوتين كبيرتين يسندان اهل السنة . و عند الطرف الاخر كان السيناريو المأمول ان يدخل الاتراك المناطق المحررة فتشتغل السيارات المفخخة لتضرب "الطاغوت" اردوغان .لكن ما حدث كان انتصرا للواقعية الجهادية على السلفية الجهادية و على الصبيانية الجهادية في آن معا .
فالسلفية الجهادية التي اما اندمجت مع داعش او انها بقيت على الحياد كحد فاصل بين السنة و الخوارج ابعد ما تكون عن النموذج الجهادي الواقعي الذي يتعاطى مع الاحداث بكل دقة و تروي و مرونة و يركز على القضية الرئيسية و يجمد القضايا الثانوية التي من شأنها ان تحدث الفرقة بين المتحالفين – او حتى بين المتحالفين قسرا لظروف معينة .
اول ما يتبادر لذهنك عندما تسمع بالسلفية الجهادية هذه المفاهيم : الحاكمية – التوحيد – الطاغوت – الردة . و هذه مفاهيم اسلامية اصيلة موجودة , لكن المشكلة في انزالها على الواقع . فلربما اسقاط خاطئ في ظرف خاطئ لمفهوم الطاغوت , نخسر حليفا قويا يسند المستضعفين من اهل السنة , لا لشيء الا لاجتهاد الشيخ فلان او رؤية الشيخ علان . و يؤدي انزال مفهوم الردة بشكل خاطئ بجعل اخوة الخنادق ينشغلون ببعضهم لا لشيء الا انني اخاف على توحيدي بحسب اجتهاد الشيخ حامي حمى التوحيد .هذه هي الجهادية التي قيدت نفسها بحدود السلفية , و اية سلفية ؟ السلفية باجتهاد شيخ معين يخطئ اكثر مما يصيب . لكن عند هيئة تحرير الشام انتصر النهج الجهادي الواقعي القائم على الحفاظ على المكون السني من عدم تكرار تجارب فاشلة تحت اسم و شعارات و مناهج لا تصلح لاحياء امة و لا لحماية مستضعفين .
بالمقابل ايضا , فقد انتصرت الواقعية الجهادية على الصبيانية الجهادية التي قادها قادة دون مستوى الاحداث  هم مزيج يين عبث الاطفال و كيد النساء المطلقات , يتعاطون سفاسف الامور  و يقامرون بالقضية الكبرى انتصارا لذواتهم و نفوسهم المريضة و كل همهم ارضاء الخارج و الاستعلاء على الداخل و كأن لا احد غيرهم يفهم بالسياسة و الدين و لا احد غيرهم ينتهج نهج الوسطية . تراهم يرفعون شعار الجهاد و بنفس الوقت يقيدون انفسهم لمن يدعمهم , و ما كان من نهج الجهاد يوما ان يكون اسيرا لمن يدعمه بالسلاح و المال , فاقدين بذلك اهم خاصية للثورة و الجهاد و هي الاستقلالية . و قادة الصبيانية الجهادية ينتقلون من الضد الى الضد , فمن نهج جهادي الى نهج وطني بيوم واحد , و بيوم واحد ايضا تصبح الراية علما , لا لشيء الا نكاية لمن يخاصمون و كسب انصار لمن يكرهون . و العبرة ليست في الراية او العلم , فهما ليسا ذا قيمة بحد ذاتهما , لكن المشكلة فيمن يجعل الراية محكا او فيمن يجعل العلم محكا , و الصبيان من تاجر بالاثنين معا لكسب معركة ضد خصومهم الذين يفترض ان يكونوا حلفاء .

ان الواقعية الجهادية التي نراها اليوم ما هي الا نتاج خبرة طويلة و محن عظيمة و ارادة حقيقية في الارتقاء لخدمة المسلمين , بعيدا عن التكلس الفكري و الانغلاق المنهجي و بعيدا عن عبثية الصبيان الذين لا تهمهم امة و لا يهمهم وطن . ان الواقعية الجهادية بحاجة الى الشد من عضدها و تقويمها و ابعادها عن الاخطاء ما امكن , فليست هذه الواقعية الجهادية بالمثالية و لا تخلو من زلل و لا هي الحلم المنشود , لكنها في هذا الظرف الحالك من ظروف المسلمين غير المسبوقة تمثل افضل خيار متاح ينصر هذه الامة المظلومة المكلومة التي يتكاثر اعدائها و سفهائها على حد سواء .