الاثنين، 30 أكتوبر 2017

الواقعية الجهادية من ضيق المناهج الى سعة الواقع

الواقعية الجهادية ... من ضيق المناهج الى سعة الواقع
بقلم : أحمد أبو فرحة
لطالما عانى التيار الجهادي من معضلتين اساسيتين , و قد تكونا متلازمتين . المشكلة الاولى هي الغلو و ذلك لتبنيه مناهج محددة يتصور شيوخها انها الطائفة المنصورة و لاجل ذلك يعقدون على تلك المناهج الولاء و البراء , متسببين بتلك المعضلة في اصطدام مباشر غير ضروري و لا واقعي مع مناهج اسلامية مخالفة اخرى , قد تكون بعضها قد حالفت اعداء الامة لسبب او لاخر , لكن حرج الوقت و صعوبته في ظل تكالب اعداء الامة يجعل من تلك الصدامات تخدم الاعداء المباشرين . اضافة الى ازهاق ارواح ابرياء في معارك ثانوية لا تحتملها الامة في الوقت العصيب . و ان تبني مناهج سطرها شيوخ يخطؤون و يصيبون و قد يكونون اصلا بعيدين عن واقع الجهاد هي الازمة الاكبر التي عانى منها التيار الجهادي . فكان لزاما على حركات التيار الجهادي ان يفتي في نوازلها من على الارض , ممن يعايشون التجربة و ينزعوا تلك القدسية العمياء التي بالغوا في اعطائها لاصحاب النظريات . فالتيار الجهادي الشعبي صاحب القضية يقود بواقعيته  و لا يقاد بنظريات , يركز على المعركة الاساسية و يتجنب اي معركة ثانوية لا تخدم الا العدو المباشر .

نظرية العدو الاول و العدو الثاني :
في ظل الاحداث المتشابكة و في ظل كثرة اللاعبين و كثرة الاطراف و كثرة المصالح , لا بد من فهم نظرية العدو الاول و العدو الثاني . كل جماعة , تنظيم , حركة لها اكثر من عدو . فان صنفت العدو (س) هو العدو الرئيسي اصبح العدو (ص) هو العدو الثانوي , اي اصبح "صديقا" او ربما اصبح "ضمن هدنة قسرية" او لربما اصبح "خارج الحسابات في المرحلة "
المشكلة كانت في تحديد العدو 1 و العدو 2 . و في الحالة السورية نجد ان العدو رقم 1 هو النظام السوري و كل من يدعمه , لذلك يصبح كل عدو اخر بمثابة "صديق" رغم العداوة , او بمثابة "حليف" رغم الاختلاف , او بمثابة "خارج الحسابات" رغم كل اذاه .
و لربما بمثال بسيط , نجد ان اتهام داعش بالعمالة للنظام ينبع من اتخاذ داعش للثورة السورية العدو الاول , فيصبح النظام شبه حليف رغم العداوة , و لربما رغم الاثخان بهم !!
فبوضع النظام السوري العدو رقم واحد , يكون التيار الجهادي قد وضع الحد الادنى للتوافق مع بقية المكونات الثورية و مع بقية اعداء النظام السوري . و ما كان ليصد هذه الواقعية الجهادية عن هذا الفهم الا تنظير المناهج , الذي و باسم العقيدة ربما يضع العدو الاخطر مكان العدو الاقل خطرا . و في حالة هيئة تحرير الشام نجد الواقعية الجهادية تتجلى في التحالفات و السلوك .

التنظيم او الجماعة وسيلة ام غاية ؟
ان التغير مع الحفاظ على المبادئ ( التجديد ) سمة تحسب للجماعة لا سيئة تحسب عليها . فما هو الهدف الذي تريده جماعة معينة ؟ اليس قتال الاعداء و حفظ بيضة الاسلام و نشر الدعوة و تطبيق حكم الله ما امكن ؟! هذه هي الثوابت و البقية متغيرات , متغيرات في التحالفات و في الاندماجات و التغييرات . ثم انه من الغباء ان تسلم نفسك لقمة سائغة لاعدائك لمجرد انك تحافظ على اسم او على راية . فالغاية الاكبر هي حفظ بيضة الاسلام و الوسائل متاحة و كثيرة و منها التورية و تغيير الاسماء و الرايات و التحالفات . ذكر في السيرة ان الرسول صلى الله عليه و سلم كان مع ابي بكر فاراد ان يعرف اخبار قريش من اعرابي , فسألهما الاعرابي : من انتما ؟ فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : نحن من ماء . فتوهم الاعرابي انها قبيلة اسمها ماء , و الرسول صلى الله عليه و سلم يقصد " و جعلنا من الماء كل شيء حي " . فقال العلماء ان الرسول صلى الله عليه و سلم استخدم التورية حفاظا على حياته و حياة ابي بكر . فان كان الحبيب محمد و هو النبي قد استخدم التورية , فلماذا لا يستحدم الجهاديون هذا الاسلوب و هم في امس الحاجة اليه مع كثرة الاحداث و كثرة الالغام حولهم و امامهم ؟

الجهادية الواقعية تتعامل مع الاحداث بكل مرونة و تغير , لما تقتضي الحاجة , و ليس هذا تنازلا و لا بيعا و لا نكثا للعهود و لا اي من هذه القيود الوهمية التي لطالما حدت من استمرارية و تمكين و فعالية التيار الجهادي . 

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

و انتصرت الواقعية الجهادية في الشام

و انتصرت الواقعية الجهادية في الشام
بقلم : احمد ابو فرحة
شكل التوافق التركي مع هيئة تحرير الشام صدمة كبيرة لاكثر من طرف في الثورة الشامية . و هذه الصدمة القت بظلالها على نقيضين يحسبان على الثورة و الجهاد . فكان السيناريو المأمول عند متسلقي الثورة ان يضرب الاتراك هيئة تحرير الشام فيحدث الاستنزاف بين قوتين كبيرتين يسندان اهل السنة . و عند الطرف الاخر كان السيناريو المأمول ان يدخل الاتراك المناطق المحررة فتشتغل السيارات المفخخة لتضرب "الطاغوت" اردوغان .لكن ما حدث كان انتصرا للواقعية الجهادية على السلفية الجهادية و على الصبيانية الجهادية في آن معا .
فالسلفية الجهادية التي اما اندمجت مع داعش او انها بقيت على الحياد كحد فاصل بين السنة و الخوارج ابعد ما تكون عن النموذج الجهادي الواقعي الذي يتعاطى مع الاحداث بكل دقة و تروي و مرونة و يركز على القضية الرئيسية و يجمد القضايا الثانوية التي من شأنها ان تحدث الفرقة بين المتحالفين – او حتى بين المتحالفين قسرا لظروف معينة .
اول ما يتبادر لذهنك عندما تسمع بالسلفية الجهادية هذه المفاهيم : الحاكمية – التوحيد – الطاغوت – الردة . و هذه مفاهيم اسلامية اصيلة موجودة , لكن المشكلة في انزالها على الواقع . فلربما اسقاط خاطئ في ظرف خاطئ لمفهوم الطاغوت , نخسر حليفا قويا يسند المستضعفين من اهل السنة , لا لشيء الا لاجتهاد الشيخ فلان او رؤية الشيخ علان . و يؤدي انزال مفهوم الردة بشكل خاطئ بجعل اخوة الخنادق ينشغلون ببعضهم لا لشيء الا انني اخاف على توحيدي بحسب اجتهاد الشيخ حامي حمى التوحيد .هذه هي الجهادية التي قيدت نفسها بحدود السلفية , و اية سلفية ؟ السلفية باجتهاد شيخ معين يخطئ اكثر مما يصيب . لكن عند هيئة تحرير الشام انتصر النهج الجهادي الواقعي القائم على الحفاظ على المكون السني من عدم تكرار تجارب فاشلة تحت اسم و شعارات و مناهج لا تصلح لاحياء امة و لا لحماية مستضعفين .
بالمقابل ايضا , فقد انتصرت الواقعية الجهادية على الصبيانية الجهادية التي قادها قادة دون مستوى الاحداث  هم مزيج يين عبث الاطفال و كيد النساء المطلقات , يتعاطون سفاسف الامور  و يقامرون بالقضية الكبرى انتصارا لذواتهم و نفوسهم المريضة و كل همهم ارضاء الخارج و الاستعلاء على الداخل و كأن لا احد غيرهم يفهم بالسياسة و الدين و لا احد غيرهم ينتهج نهج الوسطية . تراهم يرفعون شعار الجهاد و بنفس الوقت يقيدون انفسهم لمن يدعمهم , و ما كان من نهج الجهاد يوما ان يكون اسيرا لمن يدعمه بالسلاح و المال , فاقدين بذلك اهم خاصية للثورة و الجهاد و هي الاستقلالية . و قادة الصبيانية الجهادية ينتقلون من الضد الى الضد , فمن نهج جهادي الى نهج وطني بيوم واحد , و بيوم واحد ايضا تصبح الراية علما , لا لشيء الا نكاية لمن يخاصمون و كسب انصار لمن يكرهون . و العبرة ليست في الراية او العلم , فهما ليسا ذا قيمة بحد ذاتهما , لكن المشكلة فيمن يجعل الراية محكا او فيمن يجعل العلم محكا , و الصبيان من تاجر بالاثنين معا لكسب معركة ضد خصومهم الذين يفترض ان يكونوا حلفاء .

ان الواقعية الجهادية التي نراها اليوم ما هي الا نتاج خبرة طويلة و محن عظيمة و ارادة حقيقية في الارتقاء لخدمة المسلمين , بعيدا عن التكلس الفكري و الانغلاق المنهجي و بعيدا عن عبثية الصبيان الذين لا تهمهم امة و لا يهمهم وطن . ان الواقعية الجهادية بحاجة الى الشد من عضدها و تقويمها و ابعادها عن الاخطاء ما امكن , فليست هذه الواقعية الجهادية بالمثالية و لا تخلو من زلل و لا هي الحلم المنشود , لكنها في هذا الظرف الحالك من ظروف المسلمين غير المسبوقة تمثل افضل خيار متاح ينصر هذه الامة المظلومة المكلومة التي يتكاثر اعدائها و سفهائها على حد سواء .