الواقعية
الجهادية ... من ضيق المناهج الى سعة الواقع
بقلم : أحمد أبو فرحة
لطالما عانى
التيار الجهادي من معضلتين اساسيتين , و قد تكونا متلازمتين . المشكلة الاولى هي
الغلو و ذلك لتبنيه مناهج محددة يتصور شيوخها انها الطائفة المنصورة و لاجل ذلك
يعقدون على تلك المناهج الولاء و البراء , متسببين بتلك المعضلة في اصطدام مباشر
غير ضروري و لا واقعي مع مناهج اسلامية مخالفة اخرى , قد تكون بعضها قد حالفت
اعداء الامة لسبب او لاخر , لكن حرج الوقت و صعوبته في ظل تكالب اعداء الامة يجعل
من تلك الصدامات تخدم الاعداء المباشرين . اضافة الى ازهاق ارواح ابرياء في معارك
ثانوية لا تحتملها الامة في الوقت العصيب . و ان تبني مناهج سطرها شيوخ يخطؤون و
يصيبون و قد يكونون اصلا بعيدين عن واقع الجهاد هي الازمة الاكبر التي عانى منها
التيار الجهادي . فكان لزاما على حركات التيار الجهادي ان يفتي في نوازلها من على
الارض , ممن يعايشون التجربة و ينزعوا تلك القدسية العمياء التي بالغوا في اعطائها
لاصحاب النظريات . فالتيار الجهادي الشعبي صاحب القضية يقود بواقعيته و لا يقاد بنظريات , يركز على المعركة الاساسية
و يتجنب اي معركة ثانوية لا تخدم الا العدو المباشر .
نظرية العدو
الاول و العدو الثاني :
في ظل الاحداث
المتشابكة و في ظل كثرة اللاعبين و كثرة الاطراف و كثرة المصالح , لا بد من فهم
نظرية العدو الاول و العدو الثاني . كل جماعة , تنظيم , حركة لها اكثر من عدو .
فان صنفت العدو (س) هو العدو الرئيسي اصبح العدو (ص) هو العدو الثانوي , اي اصبح
"صديقا" او ربما اصبح "ضمن هدنة قسرية" او لربما اصبح
"خارج الحسابات في المرحلة "
المشكلة كانت في
تحديد العدو 1 و العدو 2 . و في الحالة السورية نجد ان العدو رقم 1 هو النظام
السوري و كل من يدعمه , لذلك يصبح كل عدو اخر بمثابة "صديق" رغم العداوة
, او بمثابة "حليف" رغم الاختلاف , او بمثابة "خارج الحسابات"
رغم كل اذاه .
و لربما بمثال
بسيط , نجد ان اتهام داعش بالعمالة للنظام ينبع من اتخاذ داعش للثورة السورية
العدو الاول , فيصبح النظام شبه حليف رغم العداوة , و لربما رغم الاثخان بهم !!
فبوضع النظام
السوري العدو رقم واحد , يكون التيار الجهادي قد وضع الحد الادنى للتوافق مع بقية
المكونات الثورية و مع بقية اعداء النظام السوري . و ما كان ليصد هذه الواقعية
الجهادية عن هذا الفهم الا تنظير المناهج , الذي و باسم العقيدة ربما يضع العدو
الاخطر مكان العدو الاقل خطرا . و في حالة هيئة تحرير الشام نجد الواقعية الجهادية
تتجلى في التحالفات و السلوك .
التنظيم او
الجماعة وسيلة ام غاية ؟
ان التغير مع
الحفاظ على المبادئ ( التجديد ) سمة تحسب للجماعة لا سيئة تحسب عليها . فما هو
الهدف الذي تريده جماعة معينة ؟ اليس قتال الاعداء و حفظ بيضة الاسلام و نشر
الدعوة و تطبيق حكم الله ما امكن ؟! هذه هي الثوابت و البقية متغيرات , متغيرات في
التحالفات و في الاندماجات و التغييرات . ثم انه من الغباء ان تسلم نفسك لقمة
سائغة لاعدائك لمجرد انك تحافظ على اسم او على راية . فالغاية الاكبر هي حفظ بيضة
الاسلام و الوسائل متاحة و كثيرة و منها التورية و تغيير الاسماء و الرايات و
التحالفات . ذكر في السيرة ان الرسول صلى الله عليه و سلم كان مع ابي بكر فاراد ان
يعرف اخبار قريش من اعرابي , فسألهما الاعرابي : من انتما ؟ فقال الرسول صلى الله
عليه و سلم : نحن من ماء . فتوهم الاعرابي انها قبيلة اسمها ماء , و الرسول صلى
الله عليه و سلم يقصد " و جعلنا من الماء كل شيء حي " . فقال العلماء ان
الرسول صلى الله عليه و سلم استخدم التورية حفاظا على حياته و حياة ابي بكر . فان
كان الحبيب محمد و هو النبي قد استخدم التورية , فلماذا لا يستحدم الجهاديون هذا
الاسلوب و هم في امس الحاجة اليه مع كثرة الاحداث و كثرة الالغام حولهم و امامهم ؟
الجهادية
الواقعية تتعامل مع الاحداث بكل مرونة و تغير , لما تقتضي الحاجة , و ليس هذا
تنازلا و لا بيعا و لا نكثا للعهود و لا اي من هذه القيود الوهمية التي لطالما حدت
من استمرارية و تمكين و فعالية التيار الجهادي .