الأحد، 26 يناير 2014

القاعدة و الدولة حقائق الأزمة كاملة (2)



القاعدة و الدولة
حقائق الأزمة كاملة (2)
بقلم : احمد ابو فرحة
بعد أن عرضنا في الجزء الأول لمحة سريعة عن أصول الاختلاف بين القاعدة و الدولة , سنتعرض في هذا الجزء إلى تسليط الضوء على بعض من الفروق بين كل من هذين التنظيمين او الكيانين . و سيكون البحث حياديا موضوعيا يؤخذ من أدبيات كل من الطرفين .
1- مفهوم البيعة عند كل طرف
في حين أن الدولة الإسلامية في العراق و الشام ألزمت نفسها بمفهوم "الدولة" و ما يتبعه من التزامات يشمل ذلك مفهوم للبيعة  , فان جبهة النصرة – تنظيم القاعدة في أدبياتها تعتبر أن كل البيعات في حالة الحرب هي بيعات قتال . و مما قد يترتب على مفهوم البيعة عند كل طرف , فان الدولة الإسلامية تعتبر المجاهد الذي لا يبايع (عاصي ) مع الاعتراف بأنه مجاهد و له حق الأخوة في الدين . و يتوضح ذلك فيما نشر عن ميثاق الدولة الإسلامية في البند الثالث عشر " نرى أن أبناء الجماعات الجهادية العاملين في الساحة إخوة لنا في الدين ، ولا نرميهم بكفر ولا فجور ، إلا أنهم عصاة لتخلفهم عن واجب العصر وهو الاجتماع تحت راية واحدة " انتهى .
2- أولويات القتال
يعتمد تنظيم القاعدة أو ( جبهة النصرة ) إلى قتال العدو المباشر الرئيسي و صب كافة الجهود عليه , واضعا أولويات محددة للقتال و بالطبع فان دفع العدو الصائل حق كفله الإسلام للفرد كما الجماعة . فتركيز جبهة النصرة اليوم على سقوط الأسد و نظامه , و بعدها العمل على إقامة حكم راشد يشمل الجميع , و بعد إسقاط النظام تتضح الأمور في من يريد دولة إسلامية و من لا يريد و وقتها كل حادث حديث عند جبهة النصرة. بمعنى أن تنظيم القاعدة يتبع سياسة الصعود إلى السلم درجة درجة . و هذا ما وضحه أبو محمد الجولاني في لقاءه التلفازي مع الجزيرة .
 أما الدولة الإسلامية في العراق و الشام فهي ترمي كل الأعداء عن قوس واحدة . فالصحوات و المرتزقة و الشيعة و الأمريكان و الأنظمة العربية فقتالهم يكون واحدا . و قد يتغبش مفهوم العدو عند كثير من أفراد الدولة ليشمل المخالف المحارب . و هنا تكمن الخطورة في أن يعتبر البعض قتال الفتنة هو قتال إيمان و كفر , و قد حذر من هذا كثير من الدعاة و العلماء و طلبة العلم .
3- مسألة التكفير
في لقاءه على الجزيرة , أوضح الجولاني أن مسألة التكفير تخضع لهيئة شرعية خاصة بالجبهة هي المسئولة عن هذا الأمر . كما انه ليس من حق أي فرد بالجبهة إطلاق الأحكام باجتهاده الفردي و يعنف على ذلك . أما الدولة الإسلامية في العراق و الشام فمسألة التكفير غير منضبطة فتجد بونا بين الشرعيين و الأفراد و القادة  كل حسب اجتهاده . مع العلم أن كل من جبهة النصرة و الدولة ترجع إلى منبع فكري واحد .
4- نظرية نصف الكأس المملوءة و الفارغة ( نظرة نفسية )
و في هذا الجانب يتوضح تعامل كل من القاعدة (جبهة النصرة) و الدولة مع أخوة الإسلام و رفقاء الحرب . فكما هو معروف , ليست كل الافهام و الاجتهادات واحدة و هناك فصائل و تيارات عديدة مكونة للثورة السورية و في غالبيتها إسلامية متنوعة . في حين أن جبهة النصرة تنظر منظور نصف الكأس المملوءة مع الأطراف الأخرى و تعزز مواقفها الايجابية و تبحث عن النقاط المشتركة , فان الدولة قيادة و عناصر دائما تنظر نظرة نصف الكأس الفارغة مع الآخرين . لذلك تجد كثير من شرعيي و مناصري و جنود الدولة يتصيدون أي خطأ للجماعات الأخرى محذرين دوما من أن الغالبية مشروع صحوات . و لعل الخبرة في القتال في العراق هي السبب المباشر في هذه النظرة , فبعد أن كان الجيش الإسلامي و كتائب ثورة العشرين و كثير من الكتائب الإسلامية التي كان يتوسم فيها الكثير خيرا , أصبحت هذه الكتائب في العراق أثرا بعد عين , فمنها من ذاب في العملية السياسية و في الصحوات و منها من التحق بالدولة الإسلامية أو أنصار الإسلام أو بقي يقاتل ككتائب صغيرة مستقلة. لكن هذا المبرر ليس كافيا في عدم إعطاء الفرصة للخصوم السياسيين "الإسلاميين" إلى آخر المطاف . فظروف العراق غير ظروف سورية و العوامل مختلفة في كل من البلدين.
5- السياسة الإعلامية
في حين أن الدولة الإسلامية تركز في جانبها الإعلامي على جذب العناصر المتحمسة و استخدام اللغة التي قد تبدو أوضح ممن يميلون إلى فكر السلفية الجهادية , إلا أن جبهة النصرة تركز في جانبها الإعلامي لمخاطبة الناس بقدر عقولهم و التقرب منهم و الابتعاد عن الألفاظ التي قد تشكل على المتخوفين من فكر القاعدة . و قد لاحظنا أن الجولاني استخدم لفظ " الأطراف الخائنة " في خطابه ( الله الله في ساحة الشام ) , و هذا اللفظ مستساغ عند الناس و العوام , في حين أن العدناني الناطق باسم الدولة استخدم لفظة " صحوات الردة " في خطابه بعد الأزمة . ففي خطاب الجولاني جذب للعوام , و في خطاب العدناني جذب ل " ( النخبة ) أو مؤيدي التيار الجهادي باعتبار انه قد وضع النقاط على الحروف . مع العلم أن اللفظين المستخدمين عند كل من الجولاني و العدناني لا يفترقان كثيرا في المضمون .
6- التعاطي مع الأخطاء الفردية
لا شك أن العصمة لله وحده , و كل طرف قد يبدر منه أخطاء معينة . و إذا لم يتم التعامل مع الأخطاء الفردية أول بأول و التبرؤ من كل خطأ فورا , فان هذه الأخطاء تنتقل من مرحلة الأخطاء الفردية إلى مرحلة الخطأ في سياسة أي طرف . وقعت كثير من الأخطاء الفردية من قبل جبهة النصرة , إلا انه تم التعامل معها بحزم و نال الجاني القصاص عن طريق محكمة مستقلة أو هيئة شرعية ما , و لسنا هنا في صدد التفصيل في الأمور , فأي متابع للساحة الشامية يعرف هذه الأمور . بينما الأخطاء الفردية من قبل الدولة لم يتم التعامل معها بشكل سليم و لم يتم التبرؤ منها , مما أدى لكثير من الحركات و الفصائل الأخرى اعتبار أن هذه الأخطاء هي أخطاء  ممنهجة من قبل الدولة .
7- التعامل مع أهل الكتاب
ترى الدولة الإسلامية في العراق و الشام في ميثاقها في البند الثاني عشر انه لا ذمة لأي من الطوائف غير المسلمة , و هذا نص البند : "نرى أن طوائف أهل الكتاب وغيرهم من الصابئة ونحوهم في دولة الإسلام اليوم أهل حرب لا ذمة لهم ،فقد نقضوا ما عاهدوا عليه من وجوه كثيرة وعليه ، إن أرادوا الأمن والأمان ، فعليهم أن يحدثوا عهداً جديداً مع دولة الإسلام وفق الشروط العمرية التي نقضوها" . و يؤكد هذا البند استهداف الكنائس في العراق طوال السنوات الماضية . و تبدو جبهة النصرة أكثر تحفظا لموضوع أهل الكتاب و بالذات النصارى . فالجولاني يعتبرهم أناس عاشوا في هذه البلد و عندما تقام حكومة إسلامية فان لهم حقوق و عليهم واجبات بما تقتضيه الشريعة الإسلامية , و هو بذلك لا يعتبرهم أعداء في سوريا .
8- مسألة التحاكم إلى الشرع
و هذه المسألة هي أهم مسألة يختلف عليها كل من القاعدة ( النصرة ) و الدولة الإسلامية . في حين أن الدولة الإسلامية ترى في التحاكم إلى الشرع واجبا على كل مسلم بشرط أن يكون هذا التحاكم في محاكم الدولة الإسلامية . اذ تقول الدولة في ميثاقها في البند الخامس : "خامساً :  نرى وجوب التحاكم إلى شرع الله من خلال الترافع إلى المحاكم الشرعية في الدولة الإسلامية ، والبحث عنها في حالة عدم العلم بها كون التحاكم إلى الطاغوت من القوانين الوضعية والفصول العشائرية ونحوها من نواقض الإسلام قال تعالى(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) "
بينما جبهة النصرة و على لسان أميرها الجولاني ترى وجوب إنشاء محكمة مستقلة تبت في القضايا العالقة بين المتخاصمين المسلمين .
و هذا الإشكال سببه في أن الدولة الإسلامية في العراق و الشام و عندما أطلقت على نفسها اسم (دولة) أصبحت ملزمة لنفسها في التصرف كأنها دولة و أنها اكبر من الجماعة أو الفصيل .و إذا حصل و أن قبلت الدولة التحاكم إلى محكمة مستقلة فان مفهوم الدولة سينهار عند كثير من المتحمسين لها و أنها بذلك تصبح مثل أي فصيل موجود . و التحاكم عند محاكم الدولة يرفضه كل مخالفوها , فكيف اختصم معك و نتقاضى عندك ؟
 لهذه المعضلة حلان لا ثالث لهما :الأول :  أن تتصرف الدولة ك (جماعة) على الأقل في الشام , و هذا ما تطلبه الفصائل الإسلامية و معهم جبهة النصرة و حتى كل العلماء و الشيوخ مثل أبي محمد المقدسي و أبي قتادة الفلسطيني و الشيخان هاني السباعي و طارق عبد الحليم و الشيخ عبد العزيز الطريفي و الشيخ يوسف الأحمد و الشيخ حامد العلي و الدكتور أيمن الظواهري .
أو الحل الآخر , أن تنضوي بقية الجماعات تحت مظلة الدولة و هذا ما تريده الدولة و ما يرفضه ترفضه الغالبية .
انتهى الجزء الثاني .

هناك تعليق واحد:

  1. الشرع الشرع الشرع،
    منهاج اﻻسلام، القرآن والسنة النبوية،هى المعيار الوحيد للأحكام والتشريع، والدولة الإسلامية، لها السبق، ولها الحق بما يقتضيه الشرع،

    ردحذف