الأحد، 1 يونيو 2014

قلعة الصبيان حكاية و عبرة



قلعة الصبيان
حكاية و عبرة
بقلم : احمد ابو فرحة
في قرية من احد قرى المسلمين تدعى "براق" , كان أهل القرية البسطاء يعملون في الزراعة و التجارة , و كانوا ينحدرون من عائلات مختلفة متناحرة فيما بينها , شدتهم العصبية القبلية إلى مقاطعة بعضهم البعض , فلا تلتقي هذه العائلة مع تلك لا في أفراح و لا في أتراح . و كان هذا الحقد بين الناس متوارثا من جيل إلى جيل . كانت القرية جميلة خضر  اء فيها كثير من الموارد الطبيعية . في القرية مدرسة و مسجد و عيادة و كثير من المرافق التي تكفي هذه القرية أن يحتاجوا المدينة . كانت قرية براق محط أنظار العصابات الأجنبية , يحلمون بغزوها كي يأخذوا مواردها .
 في مدرسة براق مدير و عدة معلمين مخلصين من كافة العائلات . في احد الأيام , اجتمع المعلمون مع بعضهم و قرروا أن يزرعوا في الجيل الناشئ من التلاميذ الانتماء للإسلام فقط و أن يتركوا العصبيات الجاهلية التي ورثوها عن آبائهم . وافق المدير و المعلمون على هذه الفكرة و تولى أبو محمد معلم التربية الإسلامية متابعة الفكرة تحت إشراف المدير . بدأ المعلمون بتوعية الطلاب و تخصيص حصص لهم , و بدأ التلاميذ باستيعاب هذا الأمر و زادت محبة التلاميذ لبعضهم بغض النظر عن العائلة و نجحت فكرة المعلمين و المدير لدرجة كبيرة.
و في احد الأيام سمع المعلمون أن العصابات الأجنبية تريد غزو القرية , فاستنفروا الأهالي كي يتصدوا لهم . بعض العائلات وافقت على محاربة العصابات و غالبية العائلات الأخرى لم توافق على حرب العصابات لان لها مصالح معها , فاستشعر المعلمون الخطر و تباحثوا الأمر فيما بينهم , فاقترح أبو محمد معلم التربية الإسلامية أن يستفيدوا من جهود التلاميذ المراهقين في دحر العصابات الأجنبية , فوافق المدير . و فعلا بدأ أبو محمد باستحثاث النخوة في الطلاب , ولأنهم في بداية عمرهم استلهبتهم الحماسة و كانوا تواقين لمواجهة العصابات . تم التوجيه من قبل المعلمين و المدير بمتابعة ميدانية من أبي محمد و عينوا عريفا على هؤلاء الطلاب و هو راشد . شاب خلوق ذكي ملتزم واع اكبر من سنه .
هجمت العصابات الأجنبية على قرية براق و أحدثت خرابا و قتلا كثيرا تحت خيانة بعض العائلات , لكن عائلات أخرى قاتلت بشجاعة و قاتل المعلمون و معهم الطلبة بضراوة و حققوا قتلا كثير في العدو . و بعد معارك كثيرة , تم تقسيم القرية إلى أقسام , قسم تحت سيطرة العصابات الأجنبية و قسم تحت سيطرة المعلمين و الأهالي الشرفاء و من دونهم الطلبة . شعر الطلبة بالعز و الفخار بأنهم شاركوا في المعركة و قتلوا كثيرا من الأعداء , و زادت أواصر المحبة فيما بينهم . و كان راشد خير عريف لهم و كان بارا بمعلميه . و استمرت المعارك بين القسم الشريف من القرية و القسم الخائن و معهم العصابات الأجنبية فترة طويلة . و كانت قرية براق غالبيتها مع القسم الخائن و الأجانب .
أحد الأيام , اقترح بعض الطلاب أن يشيدوا قلعة لهم في قرية براق , أعجبت الفكرة غالبية الطلبة و أعجبت راشد و كل من معه , لكن ظل هاجس أن المعلمين قد يرفضون كبيرا , لذلك بنى الطلاب قلعة كبيرة في غابة القرية من خشب و ما تيسر لهم من حديد و تعبوا عليها . كان الطلاب يعتقدون انه لا بد لهم من دور فاعل دائما في الأحداث , و هم الذين قدموا الشهداء . و بعد أن بنى الطلبة القلعة لتكون نقطة انطلاق لاعمالهم الثورية و مقر اجتماعاتهم . بلغ المعلمين ذلك . فاستاء بعض المعلمين و استاء المدير من هذا التصرف , لان الأمر كان دون مشورتهم , فقال أبو محمد أنا أتولى الأمر . ذهب أبو محمد إلى الطلبة و وبخهم على فعل ذلك , و اقنع الطلبة أبو محمد أن الأمر عادي و انه ملتقى للتجمع و أن في الأمر فائدة و أنهم لن يتصرفوا أي أمر دون مشورة المعلمين و بالذات أبو محمد لأنهم يحبونه , فهو من علمهم دينهم . اقتنع المعلم بما قالوا على مضض و ذهب إلى الهيئة التدريسية و قال لهم أن الأمر غير خطير و أنهم تحت تصرفه .
بدأ التلاميذ في التدخل بشؤون القرية و بدؤوا يتصرفون على عاتقهم في كثير من الأمور , مرة احرقوا سيارة الطبيب لأنه لم يشارك في المعارك و مرة كسروا زجاج الصالون النسائي و مرة ضربوا امرأة لأنها لا تلبس على الشرع . بلغ المعلمين الأمر و وبخوا التلاميذ أن لا يكرروا هذه الأفعال لأنها تسيء لهم و للمعلمين . و بدأ الأهالي يتذمرون من وجود مجموعة اتحادية للتلاميذ المراهقين و زادت الشكاوي عليهم . و قرر راشد أن يضع لوحة كبيرة مكتوب عليها : قلعة براق .
في احد المعارك مع العصابات الأجنبية و العائلات الخائنة استشهد راشد عريف الصبيان . حدثت له جنازة مهيبة في البلد . و بعدها انتخب الصبية إبراهيم صديق راشد . إبراهيم لم يكن بذكاء راشد لكنه كان متسلطا على بقية التلاميذ . وصل المعلمين أن إبراهيم هو مسؤول التلاميذ اليوم . كان إبراهيم لا يجب كل المعلمين و لم يكن يكن لهم الاحترام جميعا . بدأ الطلاب ينكمشون على أنفسهم أكثر فأكثر و بدؤوا يحبون بعضهم أكثر فأكثر , و بدأت سيطرة المعلمين تتقلص أكثر فأكثر , و بدأ الأهالي يضجون منهم أكثر فأكثر . قرر إبراهيم تفعيل قلعة براق و قرر أن يكون هو الحاكم الفعلي للبلد تحت إشراف معلمه أبو محمد . كان أبو محمد يستشعر خطر أن يكون التلاميذ بهذا الشكل , لكن خيانة كثير من الأهالي و العائلات لم تترك له خيارا إلا أن يراهن على قوة الشباب المتحمس .
ذات يوم , وجد الأهالي جثة احد أبناء القرية ملقاة جنب النهر , رأس دون جسد في منظر مقزز . ظن الأهالي أن العصابات الأجنبية هي من فعلت هذا الأمر , لكنه تبين فيما بعد أن الطلاب من فعل هذا الأمر بعد أن نشروا بيانا مكتوب عليه : قلعة براق ستطارد كل الخونة . و كان هذا الشاب المقتول لم يثبت انه فعلا قد تعامل مع العصابات أم  كانت مجرد شكوك .
جن جنون المعلمين من الأمر , و اتفقوا مع المدير أن ينهوا ظاهرة اتحاد التلاميذ , و قرروا ذلك , لكن التلاميذ رفضوا هذا الأمر , و تحججوا أنها حرب مشتعلة لا يجب الرجوع إلى المدارس إنما الرباط مع العصابات . بدأ الطلبة بلمز المعلمين و سرد عيوبهم . و بدؤوا بحملة إسقاط على كثير منهم , هذا لا يصلي جماعة في المسجد , و هذا ابنته لا تلبس شرعي , و ذاك حليق لحية , و هذا حقود و هذا خرف . و لم يعد سلطة من المعلمين على الطلبة باستثناء أبو محمد .
زادت حوادث القتل في القرية موقعة باسم "قلعة براق" , و كان القتل يتم تحت ذريعة التعاون مع العصابات الأجنبية , منهم من قتل و يستحق القتل و منهم من هو بريء و منهم من لم يثبت عليه شيء. و أصبح معظم عمل "قلعة براق" ضد الأهالي بشقيهم الشريف و الخائن , و أصبح الهجوم من شباب القرية المراهقين على العصابات الأجنبية محدودا . و كان يتذرع الطلبة أن العدو الداخلي اخطر من الخارجي . كان أبو محمد بين نارين : نار هؤلاء الصبية الأغرار , و نار الأهالي و مجلسهم الخائن . و لكن ظل أبو محمد مشرفا له كلمته على هؤلاء الصبية بالقدر الذي يستطيع و ظلوا يحترمونه و يسمعون منه . حاول أبو محمد استحثاث الأهالي لقتال العصابات الأجنبية و أن يشكلوا فرقة حقيقية من المقاتلين و أن يستلموا الثورة في البلد بدل أن يستلمها هؤلاء الصبية , لكن أحدا من الأهالي استمع له . و كان بعض الأهالي الشرفاء يقاتلون في مجموعات لوحدهم بعيدا عن أبو محمد و الصبية الذي يقودهم "شكليا" فقط !
كان خطر الشباب الأغرار يتعاظم يوما بعد يوم , و كانت الدماء تسيل على أيديهم في القرية بحق و غير حق و بطريقة وحشية . و كان اسم قلعة براق يستوطن أكثر فأكثر في نفوس المراهقين , حتى أصبحوا يقاتلون من اجله لا مثل ما علموهم معلموهم لأجل الدين. و المأساة الكبرى , أن تجربة قلعة براق كانت براقة للقرى المجاورة و البعيدة , و كانت الناس في تلك القرى تحبهم لأنها تجربة فريدة أن يقود تلاميذ مدرسة الثورة ضد العدو . و ما كان احد يصدق أن هؤلاء الصبية يقتلون بغير حق في كثير من المرات , فأي قتيل يقتلوه فهو في خانة الجواسيس , في بلد اشتهر فيها الجواسيس و خانت أكثر العائلات واجبها نحو قريتها .
و في احد الأيام , غزت العصابات الأجنبية قرية مجاورة لبراق , قرية "رام" . و كان أهالي رام بعمومهم يقاتلون العصابات الأجنبية و أثخنوا فيها . قرر إبراهيم زعيم الصبية أن يهب لنجدة "رام" فذهب و من معه إليها و ساعدوا أهالي تلك القرية . و تحت ذريعة المساعدة تلك , بنى إبراهيم قلعة أخرى في تلك القرية كبيرة جدا , و سماها " قلعة براق و رام " , و لأنه صبي فقد التف حوله غالبية الصبية في تلك البلدة , فقد لبى غرائزهم الصبيانية , و أرادوا أن تكون لهم كلمة . بعد هذا , تجمع غالبية الصبية من القرى المجاورة مع إبراهيم تحت ذريعة قتال العصابات الأجنبية , و لكنه حقيقة كان يقودهم لقتل الأهالي بذريعة العمالة . جن جنون أبو محمد لفعلة إبراهيم و حاول منعه بقوة , لكن إبراهيم اقنع الصبية أن أبو محمد رجل خرف و لم يعد مثلما كان في السابق , فقد كان شجاعا و أصبح جبانا وأنه قد غير و قد بدل .و عين إبراهيم "معمر" متحدثا رسميا باسم قلعة براق و رام (قبر) . و كان معمر ولدا موتورا غير مهذب مشاكسا حقودا سليط اللسان. و استطاع معمر أن يقنع الطلبة أن أبو محمد ليس له سلطة و انه اليوم غير أبو محمد قديما . و عاث الصبية في قرية رام كثيرا جدا أكثر مما عاثوا في قرية براق و أصبحت مشكلتهم مشكلة كبيرة , فالأهالي وقعوا بين مطرقة الصبية و سندان العصابات الأجنبية .
فصدرت ورقة من أبي محمد و من كل المعلمين و المدراء في القريتين و في القرى المحيطة تفيد أن هؤلاء الصبية تجمعهم تجمع ضرار لا تجمع خير , و يجب على الأهالي التصدي لهم بكل ما أوتوا من قوة .
و بالفعل تم دحر العصابات الأجنبية و تم إنهاء خطر الصبية بعد معارك قوية مع الجهتين بعد أن توحد الأهالي و نسوا خلافاتهم.و هكذا رأينا كيف انتقل هؤلاء الشباب المتحمس من فكرة سامية إلى ظاهرة دامية , بسبب غياب المرجعية , و كيف انه لو لم يتم إنهاء هذه الظاهرة في تلك القريتين لاستشرت هذه الظاهرة في جميع القرى و كانت دماء طاهرة بريئة سالت من طيش الطائشين و هوس المهووسين . و رأينا أيضا انه في تشرذم الأهالي ضعف , و كيف انه ماذا توحدوا على حق لا تستطيع أي قوة على الأرض أن تهزمهم , فلو قاتلوا ببسالة و اتحاد من أول الأمر و نسوا خلافاتهم , لما كان للصبية دور و وجود و ما كان الاحتلال الأجنبي قادرا على التدخل بشؤونهم .

هناك تعليق واحد:

  1. مقال فى قمة الروعه, أسئل الله أن يرزقك الاخلاص يا استاذ أحمد

    ردحذف