هل كان الخوارج دواعش ؟
بقلم : احمد ابو فرحة
"اللهم ان
كانت هذه الدولة دولة خوارج فاقصم ظهرها" ... بتلك الكلمات , انهى العدناني
خطابه الفاصل مع القاعدة , و للصدق و للأمانة فاني شعرت بحزن كبير تجاه هذا الرجل
و الذين يقاتلون تحت هذه الراية , فاليقين الذي عندهم بنقاء منهجهم لا يغني عن
الحقيقة الثابتة في شيء , فاللهم اهدهم
الى الحق و ان لم يكن كذلك فقنا شرهم , فان لم يكن كذلك فيتولاهم الله بأمره .
و عودا على
عنوان المقال , فان مصطلح "خوارج" ينظر اليه بسطحية من قبل كثير من طلبة
العلم و حتى من بعض العلماء انفسهم , فانهم يخشون اسقاطه على فئة او تنظيم بحجة انه
لا تتوافر الادلة على كون اولئك الناس خوارج ! فالخوارج يكفرون عوام المسلمين فهل
تكفر تلك الطائفة عوام المسلمين ؟ و اين امام المسلمين اليوم الذين خرجوا عليه
اولئك القوم ؟ و قبل الاجابة عن هذه
الشبهة فلندخل النقاش التالي :
هب اننا عدنا
الى زمن الخوارج الاوائل و سألناهم : هل انتم تكفرون المسلمين ؟ سيجيبوننا : معاذ
الله ان نكفر المسلمين فكيف لنا ذلك ؟ نحن نكفر كل من ارتكب ناقض من نواقض الاسلام
!! و هنا ندخل في متاهة اخرى معهم , ما هي نواقض الاسلام ؟ و كيف ننزل نواقض
الاسلام على الفرد او على الجماعة ؟ دوامات كثيرة كلها ستؤدي الى نتيجة واحدة :
الخوارج يتركون اهل الاوثان و يحاربون اهل الاسلام كما اخبر الرسول صلى الله عليه
و سلم . و من هنا لا عبرة بالشعار الذي ترفعه الفئة الباغية على المسلمين . هذه
واحدة .
اما الثانية ,
هل الخوارج لا يقاتلون اهل الاوثان بشكل كامل ؟ الجواب لا . فلنعد الى الخوارج
الاوائل , فقد كانت لهم حروب مع الكفار لكن المشكلة في ترتيب اولوياتهم التي
يزعمون انها الحق , و ترتيب اولوياتهم يقتضي ان يتم ابادة "الزاعمين الاسلام
زورا و بهتانا" و بعدها التفرغ الى اعداء الله الاصليين . و لنفترض افتراضا
اخر , هل لو قدر الله ان ينتصر الخوارج على اهل الاسلام , هل سيقفون عند ذلك ؟ لا
لن يقفوا انما سيكملون فتوحاتهم الدموية الى بقية العالم .
اما الثالثة ,
هل الخوارج الاوائل كانوا يقتلون عوام الناس اينما وجدوهم ؟ الجواب , لا . فكل
المناطق التي وقعت تحت سيطرة الخوارج الاوائل كان اناسها يبايعونهم و لذلك هم في
امان . اذا فالمسألة مسألة "بيعة" , فمن بايعهم دخل الامان و من لم
يبايعهم فانه تحت النيران .
اما الرابعة ,
فمن يضمن تاريخيا ان الخوارج لم يفترى عليهم ؟ عندما تقرأ تاريخهم تحس انهم وحوش
على هيئة بشر من افعالهم الشنعاء ,فيكفي ان يرى الناس فعلتين او ثلاث يندى لها
الجبين و بعدها يصدقون عنهم أي شيء . و لا
احد يجزم ان كان كل ما نسب الى الخوارج الاوائل صحيح ام لا , و لكن ذلك الامر لم
يغير في حقيقتهم شيء , انهم خطر على الاسلام و المسلمين . خطر على الاسلام من
ناحية رسالته المنيرة و خطر على المسلمين في استباحة دمائهم و اموالهم و اعراضهم .
اذا و بعد هذا ,
فانه ينبغي علينا اذا اردنا التعاطي مع مسألة الخوارج ان نتعاطى معها بواقعية
عملية لا بنظريات , و نقيم ما هو الموجود على الارض . فلا عبرة بالنظريات .
فالخوارج الاوائل لم يجتمعوا مع بعضهم و وضعوا دستورا و بنودا يقتضي بأن كل مرتكب
كبيرة كافر!! من فكر بهذه الطريقة فان به سذاجة . انما بدأت فكرة الخوارج من شخص
عنده غل و حقد و طمع في منصب و بعدها جمع بعض المخلصين تحت شعارات رنانة و بعدها
بدأوا بالانحراف تدريجيا الى ان وصلوا ان كل مرتكب كبيرة كافر . فان هذه نتيجة و
لم تكن مبدأ . و واقعيا على الارض , فانه بينما كان سيدنا علي سيفتح الشام و يعد
الجيوش و يلهب المسلمين ضد الكفار , كان الخوارج طعنة في ظهر المسلمين لان
اولياتهم تقتضي ان يحارب اهل الكفر و النفاق المتلبسين بالإسلام لانهم اخطر أولى
من محاربة الكفار الاصليين !! و هذه الفكرة موجودة عند خوارج اليوم و صرح بها العدناني
القائل : الاخوان المسلمين أشد خطرا من السيسي و العلمانيين لانهم يتلبسون بالإسلام
!! فأي فكر يرتضي ان يكون المسلمون على معاصيهم و حتى طوامهم اخطر من الكفار و
المرتدين ؟ انه فكر الخوارج بالطبع .
و من هنا نستنتج
ان الخوارج ظاهرة و ليست افكارا منتظمة . فكل من يحرف بوصلة الجهاد عن مسارها
الاصلي مع شدة الحاجة لأي طلقة فانهم قطعا خوارج . و كل من يقتل المخالف و يرميهم
عن قوس واحدة و يجمعهم في سلة واحدة فانه خوارج . و كل من يعتبر نفسه طائفة منصورة
بحد ذاته و انه ليس جزءا انما كل , فهو خوارج . و كل من استهان بدماء المسلمين و
لم يحسب حسابها بشدة فهو خوارج . و بقيت مسألة تكفير مرتكب الكبيرة لا قيمة لها و
لا يهمنا ان صرح بها ام لم يصرح . الذي يهمنا هو الواقع و ماذا يقول . مجموعة من
الناس تدخل الى ارض القتال و ليست تحمل الا نتيجتين : اما ان اكون قاتلا او ان
اكون مقتولا و ليس فارق بينهما عندهم !! اما ان تبايعني فتسلم و اما ان تكتوي
بناري ان رفضت . فما الحل مع اولئك الخوارج ؟
ان لفظة
"الخوارج" ليست كلمة شرعية اصيلة في الدين , انما مصطلح اطلقه المسلمون
على فئة معينة , و قد يطلق المسلمون مصطلح اخر على فئة اخرى في زمن اخر , و المضمون
واحد . فان رجعنا للخوارج الاوائل و سألناهم : هل انتم دواعش ؟ سيجيبون : معاذ
الله ان نكون كذلك !! و ان سألنا داعش اليوم : هل انتم خوارج : سيجيبون : معاذ
الله ان نكون كذلك . و بعد سنين لاحقة و ان قدر الله و نبت للخوارج قرن آخر و
سألناهم : هل انتم داعش او خوارج : سيجيبون قطعا لا . و هكذا فان سنة الله ماضية
في عباده من تنقية و تمحيص و ابتلاء و نسأل الله السلامة .
احسنت
ردحذف