الاثنين، 14 أبريل 2014

دروس داعش القاسية فهل من متعظ ؟

دروس داعش القاسية
فهل من متعظ ؟
بقلم : احمد ابو فرحة
كغيره من التيارات الأخرى , كان للتيار الجهادي و برغم كل قوته و فضله نواقص و عيوب تراخى الشيوخ في إصلاحها عبر الأيام , فالكمال لله وحده و لكن الحقيقة المؤلمة أن التيار الجهادي لم يكن ليقف وقفة قوية في وجه الغلاة إلا عندما دفع من ماله و دمائه و شبابه و جهده , وقتها أدرك القائمون أن هناك مسألة جلل و خطب عظيم لا بد من إصلاحها , و لا يزال آخرون يقفون وقفة أهل البرزخ لا إلى أولئك و لا إلى أولئك متسترين بالورع البارد أو الورع في غير محله و لن يقولوا كلمة حق إلا عندما يأتيهم الدور . سنة الله الماضية و لا اعتراض على حكمه.
مخطئ من ظن للحظة أن مشكلة داعش مشاكل خلافية في الطرح أو الأسلوب , إنما كانت نتاجا لتاريخ طويل من مرض أصاب هذا التيار منذ بدايته و استفحل الأمر باكتمال أسباب و مسببات.
خلاصة الأمر , إن قادة التيار الجهادي قالوا كلمتهم و يصلحون الآن , و لكن حتى هذا الأمر يسير على خجل و ليس على عجل , مما قد يؤدي إلى مزيد من سفك للدماء و زهق للأرواح و الله المستعان . و بعد هذه الأحداث الكبيرة لا بد لنا من الوقوف على بعض الأمور :
1- السكوت عن الخلل في بدايته يؤدي إلى أن يصبح هذا الخلل نهجا فيصعب تغييره لاحقا . و لقد سكتت القاعدة عن كثير من الأخطاء الكبيرة بحجة أنها لا تريد شق الصف و الحديث أمام الإعلام و أمام العوام و حاولت علاج هذا الأمر داخليا لكن دون جدوى . و النتيجة , أنها آثرت مصلحة التيار على مصلحة الأمة .و بالتالي بعد أن لم يتبق مصلحة مع أناس داخل التيار وقفت القاعدة مع الأمة . حقيقة ما كان لينكرها إلا متعصب و الحمد لله أن حسمت القاعدة أمرها أخيرا , فان تصل متأخرا خيرا من أن لا تصل .
2- إسقاط الشيوخ و الرموز بهذه السرعة و الطريقة لمجرد المخالفة عمل لا يقوم به ذرة من ورع , فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"
و لم يبق شيخ و لا عالم سواء من داخل التيار الجهادي أو خارجه لم ينله قسط من التكفير و التخوين و الهمز و اللمز , حتى انه وصل مع احد إعلاميي داعش المعروفين على تويتر انه قال لي عن الشيخ المقدسي انه ربما تم اغتصابه حتى قال ما قال في الدولة!! أي دين هذا و أي ذرة ورع و إيمان .و حتى الشيوخ الذين ناصروا داعش فتمت مهاجمتهم لأنهم لم يسيروا على ما يهواه المناصرون و القادة مئة في المئة , فان لم يكن هذا غلو و خارجية , فما هما إذا ؟
و من أسفه الردود التي قد تسمعها أن هذه الآلاف المؤلفة من المعرفات على تويتر و فيس بوك و حتى من شرعيين لا يمثلون الدولة !! لا يحتاج الأمر إلى عبقرية زائدة في كشف هذا الانحراف القاتل , فالبعرة تدل على البعير و السير يدل على المسير , أفكل هذا التخوين و التقتيل و التكفير لا يدل على فكر منحرف خبيث خطير ؟!!
3- الحقيقة الثالثة أن "عقدة المنهج" شكلت مشكلة كبيرة عند التيار الجهادي و عن أفراده و مقاتليه , و لكن في الآونة الأخيرة بدأ التيار في الانفتاح على الآخرين محافظين على الثوابت و أصبح التعامل مع المخالفين أفضل من ذي قبل بالنسبة لكثير من المناطق في العالم و قد توج هذا الانفتاح المحمود في سوريا عند جبهة النصرة , فنرى تلاحما كبيرا بينها و بين بقية الفصائل الإسلامية و هذا هو الأصل في الإسلام أن تكون مسلما لا أن تكون سلفيا جهاديا !!أن تكون مجمعا لا أن تكون مفرقا . فان أصبحت جهاديا فلتمثل هذا النهج بأروع صوره . كان في السابق  يكفي أن تتهم شخصا أو جماعة بالسرورية أو الإخوان مثلا حتى تسقطهم بالكامل و تكذب روايتهم أو حتى لا تسمعهم أصلا !! منذ متى كان هذا نهج العدل ؟ أليس من الممكن أن يكون هذا السروري أو الاخواني مظلوم مثلا ؟!
إن الاختلاف موجود و النقد للآخر موجود و طبيعي لكن هذا لا يعني التعامل معه و كأنه ليس مسلما ما دام لم يرتكب ناقضا للإسلام واضحا لا لبس فيه ليس مجرد ظنون و اشتباهات .
4- الحقيقة الرابعة هي انه لو لم تحل مشكلة الخوارج بشكل جذري في سوريا و بشكل مفاصلة علنية , بل و بلهجة تحريضية على هذا الفكر و بالاسم , فكل ارض من أراضي المسلمين قد تشهد صراعا و بذل دماء مثل ما حدث في سوريا. بذرة الغلو موجودة و على القائمين أن يحاولوا أن لا تنبت هذه البذرة . فحادثة المستشفى العرضي في اليمن تحتاج إلى وقفات و ليس إلى وقفة واحدة و حتى خطاب القاعدة في اليمن كان مع كل الاحترام غير كافي بالتبرؤ من الفعل نفسه , بل و يجب التبرؤ من الفكر الذي أدى لهذا الفعل و من الذي قام بالفعل . فذلك القاتل لم يكن ليفعل فعلته لولا يقينه بأن هؤلاء الموجودين في المستشفى ليسوا مسلمين لان هذا المستشفى عسكري فهو للطاغوت , و من يعالج به هم أهل الطاغوت الذين لم ينكروا على أبنائهم العساكر و كل من يعمل في المستشفى طاغوت , و كلنا يعلم هذه المتسلسلة العجيبة في الإسقاطات .
5- التيار الجهادي تيار استنهاضي لطاقات الأمة و هو تيار تجميعي و ليس تفريقي . لذلك يجب أن يكون الخطاب بسيطا و واضحا , و خطاب النخبة الداخلي يكون مغايرا عن خطاب الأمة . و في حال لم يتعامل التيار بشكل صحيح مع الفئات الأخرى و الفصائل الأخرى فانه قد يكون التأثير سلبيا . فلا بد للتيار الجهادي أن يعامل الآخرين معاملة الأب الحنون لا اقتناص الأخطاء و الوقوف بعدائية مع الجميع . و ينبغي عدم الاستعلاء في لغة الخطاب كأن من يتحدث معلم فطحل و الذي يخاطب طالب فاشل ينتظر العقوبة !! و من منطلق الأب الحنون على الآخرين فان هذا الأب لا ينبغي له أن يكره فتياته على البغاء كما تحدثت الآية الكريمة . و كيف لأب يكره فتياته على البغاء ؟ طبعا بسوء المعاملة و الحرمان . و نفس الأمر لا تكرهوا الآخرين على أن يصبحوا صحوات !! ما كان مسلم في قلبه إيمان أن يصبح صحوات إلا بمال و مطامع أو بسوء معاملة معه , لذلك فليسحب التيار الجهادي البساط من تحت الفصائل و بالذات الإسلامية في النقطة الأخرى لا أن يتحسس شنشنة الصحوات قبل الأوان و يبقى يصر عليها أنها موجودة و يقتل و يسفك الدماء لأجلها و بعد أن يصبحوا فعلا صحوات يقول : الم اقل لكم أنهم صحوات ؟!
6- الملاحظة الأخيرة : الصراع مع أعداء الدين صراع أمة بكافة تياراتها و انتماءاتها لا صراع نخبوي بنظرة ضيقة , و نذكر البعض أن هناك ملايين المسلمين يعيشون على هذه الأرض لا ينتمون للتيار السلفي الجهادي و ليس مطلوبا منهم ذلك !! لذلك فالرفق الرفق و إن كنت أنت أيها الجهادي رأس حربة الإسلام كما تدعي , فلا تنس انك جزء صغير من هذه الحربة الطويلة التي لولاها ما فعلت أي شيء !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق