الجمعة، 14 مارس 2014

التعصب المميت عند الجماعات الاسلامية "الدولة الإسلامية انموذجا



التعصب المميت عند الجماعات الاسلامية
"الدولة الإسلامية انموذجا
بقلم : احمد ابو فرحة

لقد انعم الله علينا بنعمة هذا الدين , الذي اوجده سبحانه لينقذنا من ظلام الدنيا و يرزقنا نور و نعيم الاخرة . هي رسالة ربانية نزلت على رسولنا الاعظم ونبينا الاكرم , فحملها لنا و امرنا ان نتبعها فننجو . الدين له اصول و له فروع , اصول لا تقبل الحياد و الاختلاف فيها و فروع و اجتهادات تفتح لنا هامش من الاختلاف المقبول لان عقولنا اصلا مختلفة و افهامنا مختلفة . و لم يقل احد من قبل ان يكون المسلم عبارة عن حاسوب يتم برمجته ببرنامج واحد , فنصبح عبارة عن ملايين النسخ التي تتفق في كل شيء !!
و قد ابتلانا الله في كل زمان , بأناس يحسبون ان الله لم يهد غيرهم , في اناس لا يقبلون الخلاف حتى في مسائل اقل من تذكر , لا يقبلون في اختلاف في الاجتهادات حتى و لو كان الاصل واحد , و ربما ان الفروع هي الاخرى تقريبا واحد !! لكنها العصبية المقيتة المميتة , التي تنم عن نفسيات حاقدة تنتصر لنفسها على حساب امتها , يلبسون على العوام و الخاصة امور دينهم بشبهات لا ترتقي الى مستوى اليقين , فينتج عن ذلك مقتلة بين المسلمين عظيمة , المسلمون في غنى عنها . أولم تكفينا مجازر طغاة الغرب و الشرق فينا ؟ لكنه بلاء الله بتلي به عباده .

نماذج من التعصب المميت في التاريخ الاسلامي :
1-  قتل الامام النسائي رحمه الله
كان الكثيرون ممن يعيشون في الشام يغالون في حب معاوية بن ابي سفيان رضي الله , و وصل الحد بكثير منهم الى كره سيدنا علي رضي الله عنه و ارضاه . خلاف حصل بين الصحابة لاجتهادات فيما بينهم , حوله المتعصبون الى مقتلة بينهم هم في غنى عنها , اضافة الى ان كثيرين خسروا الدنيا و الاخرة بسبب التعصب . فهذا الامام النسائي رحمه الله قد كتب كتابا في فضائل سيدنا علي رضي الله عنه , فلم يعجب كثيرا من المتعصبين الذين يغالون في حب معاوية و كانوا كثر في الشام . فحارب النسائي (غلو حب معاوية ) و لم يحارب معاوية نفسه و هذا فرق عظيم . فطلبوا منه ان يؤلف كتابا في فضائل معاوية فأجاب مازحا : لا اعلم له منقبة إلا " لا اشبع الله بطنك " و هو حديث قاله الرسول صلى الله عليه  سلم و له تفسيره و مناطه , لكن النسائي قاله مازحا , فما كان من انصار معاوية المتعصبين الا ان ضربوا الامام النسائي بين خصيتيه مرارا حتى مات فيما بعد . و الرواية مذكورة في عند ابن كثير .

2- رواية قتل الشافعي رحمه الله
تعددت الروايات في وفاة الشافعي رحمه الله , منها ما يقول انه توفي بسبب مرض البواسير , و منهم  من قال انه تم الاعتداء عليه من قبل غلاة المالكية , حتى توفي على اثر اصابته بها . و الشافعي رحمه الله غني عن التعريف و عقيدته معلومة , الا ان كثيرين لم يفهموا للاختلاف معنى .
حتى ان احد كبار علماء المالكية المشهود لهم في ذلك الزمن و هو أشهب بن عبد العزيز قد قال في حق الشافعي : "اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ، فَإِنَّكَ إِنْ أَبْقَيْتَهُ اِنْدَرَسَ مَذْهَبُ مَالِكِ"  فأي تعصب مقيت بعد هذا , و هذا القول رواه ابن عساكر عن محمد بن عبد الله بن الحكم . 

3- الغلو و التعصب  يقودان الى الكذب
عندما اشتد الخلاف بين اتباع المذاهب الاربعة , الى الحد الذي وصل الى كثير منهم ان لا يتزوجوا من بعضهم , فقد روي في التاريخ ان علماء كبير من اتباع الحنفية قد وصل بهم الكذب للتدليس على الشافعي و مذهبه انهم كذبوا على الرسول صلى الله عليه و سلم نفسه , حيث وضعوا حديث و نسبوه للرسول صلى الله عليه و سلم يقول : " يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ , وَيَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو حَنِيفَةَ ، وَهُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي " , و محمد بن ادريس هو الشافعي . فأي تعصب و اي هوى قد وصل بهؤلاء المتعصبون , و هم كانوا على قدر من العلم !!

و في هذا الزمان , فإننا نرى التعصب قد دخل الى كل الجماعات الاسلامية بلا استثناء و لا شك انه تعصب مقيت .لكن التعصب الذي حل بأبناء و انصار تيار الدولة الاسلامية فانه تعصب مقيت مميت , الى الحد الذي اسقطوا فيه اي مخالف لهم مهما بلغ من علم و جهاد و تاريخ . و حتى فيما بينهم فإنهم لا يقبلون حتى الاختلاف البسيط , فكل الامور عندهم مسلمات لا تقبل الاختلاف . و رموا مخالفيهم من المجاهدين اما بردة او خيانة و استحلوا دمائهم . و هنا قد يقول قائل : ان كل الجماعات تقتل من بعضها و ان الدولة قد تعرضت لكثير من الظلم . و هذا صحيح , لكن الفرق يكمن بين سلوك سيء كما ينتهجه خصوم الدولة , و بين منهجية في التعامل سيئة و طريقة تفكير سيئة باستحلال الدماء للمخالفين . و لم نسمع ايا من الفصائل التي تحارب الدولة قد بعثت بانتحاريين و انغماسيين لضرب الدولة , لكننا سمعنا و رأينا كيف ان الدولة بعثت بانتحاريين لضرب خصومها و منهم جبهة النصرة الفرع الشامي لتنظيم القاعدة !! فالى اين سيأخذنا هؤلاء ؟ ان لم يكن هذا تعصبا مميتا , فما هو ؟ و قد يقول قائل : اليس من حق الدولة الدفاع عن نفسها اذا تم الهجوم عليها ؟ فالجواب , نعم اكيد , فدفع الصائل حق كفله الشرع لأي جماعة و اي شخص يتم الاعتداء عليه . و هنا يجب القول :
1- دفع الصائل الباغي لا يشترط تكفير المخالف , فالمخالف قد يكون مسلما موحدا لكنه باغ.
2- لا يعني دفع الصائل الهجوم على المقرات و بعث انتحاريين بدل ان يبعثوهم الى العدو الاصلي !! فهذا ليس دفعا لصائل انما هو البغي بعينه .
اخيرا : و هي همسة عتاب الى قادة و شيوخ التيار الجهادي , فقد عرف عن التيار انه الاقوى في مجابهة الطواغيت , و هذا صحيح , لكنه ضعيف جدا في مجابهة انصاره . و هذه حقيقة , فمثل هذه الافكار المغالية لا بد من هبة جماعية من علماء و طلبة علم و قادة مجاهدين لوقفها بحزم , و لا تنفع الطبطبة و المداراة و امساك العصى من المنتصف للخوف من الانشقاق في بقية البلدان , فان لم تكن هناك وقفة لهذا التعصب المميت , فانه في كل بلد سيصبح مثل ما كان في سوريا , و الشواهد كثيرة . لا بد من هذه الوقفة بكل قوة , و فضح الغلو امام العامة قبل الخاصة , كي لا نقع ضحايا لمثل تلك الافكار . و لا يعني محاربة هذه الافكار و هذا التعصب هو كره في الجماعة , انما محاولة لإرجاعها الى الطريق الحق و القويم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق