التعصب المميت عند الجماعات الاسلامية
"الدولة الإسلامية انموذجا
بقلم : احمد ابو فرحة
لقد انعم الله علينا بنعمة هذا الدين , الذي اوجده سبحانه لينقذنا من ظلام
الدنيا و يرزقنا نور و نعيم الاخرة . هي رسالة ربانية نزلت على رسولنا الاعظم
ونبينا الاكرم , فحملها لنا و امرنا ان نتبعها فننجو . الدين له اصول و له فروع ,
اصول لا تقبل الحياد و الاختلاف فيها و فروع و اجتهادات تفتح لنا هامش من الاختلاف
المقبول لان عقولنا اصلا مختلفة و افهامنا مختلفة . و لم يقل احد من قبل ان يكون
المسلم عبارة عن حاسوب يتم برمجته ببرنامج واحد , فنصبح عبارة عن ملايين النسخ
التي تتفق في كل شيء !!
و قد ابتلانا الله في كل زمان , بأناس يحسبون ان الله لم يهد غيرهم , في
اناس لا يقبلون الخلاف حتى في مسائل اقل من تذكر , لا يقبلون في اختلاف في
الاجتهادات حتى و لو كان الاصل واحد , و ربما ان الفروع هي الاخرى تقريبا واحد !!
لكنها العصبية المقيتة المميتة , التي تنم عن نفسيات حاقدة تنتصر لنفسها على حساب
امتها , يلبسون على العوام و الخاصة امور دينهم بشبهات لا ترتقي الى مستوى اليقين
, فينتج عن ذلك مقتلة بين المسلمين عظيمة , المسلمون في غنى عنها . أولم تكفينا
مجازر طغاة الغرب و الشرق فينا ؟ لكنه بلاء الله بتلي به عباده .
نماذج من التعصب المميت في التاريخ الاسلامي :
1- قتل الامام النسائي رحمه الله
كان الكثيرون ممن يعيشون في الشام يغالون في حب معاوية بن ابي سفيان رضي
الله , و وصل الحد بكثير منهم الى كره سيدنا علي رضي الله عنه و ارضاه . خلاف حصل
بين الصحابة لاجتهادات فيما بينهم , حوله المتعصبون الى مقتلة بينهم هم في غنى
عنها , اضافة الى ان كثيرين خسروا الدنيا و الاخرة بسبب التعصب . فهذا الامام
النسائي رحمه الله قد كتب كتابا في فضائل سيدنا علي رضي الله عنه , فلم يعجب كثيرا
من المتعصبين الذين يغالون في حب معاوية و كانوا كثر في الشام . فحارب النسائي
(غلو حب معاوية ) و لم يحارب معاوية نفسه و هذا فرق عظيم . فطلبوا منه ان يؤلف
كتابا في فضائل معاوية فأجاب مازحا : لا اعلم له منقبة إلا " لا اشبع الله
بطنك " و هو حديث قاله الرسول صلى الله عليه
سلم و له تفسيره و مناطه , لكن النسائي قاله مازحا , فما كان من انصار معاوية
المتعصبين الا ان ضربوا الامام النسائي بين خصيتيه مرارا حتى مات فيما بعد . و
الرواية مذكورة في عند ابن كثير .
2- رواية قتل الشافعي رحمه الله
تعددت الروايات في وفاة الشافعي رحمه الله , منها ما يقول انه توفي بسبب
مرض البواسير , و منهم من قال انه تم
الاعتداء عليه من قبل غلاة المالكية , حتى توفي على اثر اصابته بها . و الشافعي
رحمه الله غني عن التعريف و عقيدته معلومة , الا ان كثيرين لم يفهموا للاختلاف
معنى .
حتى ان احد كبار علماء المالكية المشهود لهم في ذلك الزمن و هو أشهب بن عبد
العزيز قد قال في حق الشافعي : "اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ، فَإِنَّكَ إِنْ أَبْقَيْتَهُ
اِنْدَرَسَ مَذْهَبُ مَالِكِ" فأي
تعصب مقيت بعد هذا , و هذا القول رواه ابن عساكر عن محمد بن عبد الله بن الحكم .
3- الغلو و التعصب يقودان الى
الكذب
عندما اشتد الخلاف بين اتباع المذاهب الاربعة , الى الحد الذي وصل الى كثير
منهم ان لا يتزوجوا من بعضهم , فقد روي في التاريخ ان علماء كبير من اتباع الحنفية
قد وصل بهم الكذب للتدليس على الشافعي و مذهبه انهم كذبوا على الرسول صلى الله
عليه و سلم نفسه , حيث وضعوا حديث و نسبوه للرسول صلى الله عليه و سلم يقول : " يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ
إِبْلِيسَ , وَيَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو
حَنِيفَةَ ، وَهُوَ سِرَاجُ أُمَّتِي " , و محمد بن ادريس هو الشافعي . فأي تعصب و اي هوى
قد وصل بهؤلاء المتعصبون , و هم كانوا على قدر من العلم !!
و في هذا الزمان , فإننا نرى التعصب قد دخل الى كل الجماعات الاسلامية بلا
استثناء و لا شك انه تعصب مقيت .لكن التعصب الذي حل بأبناء و انصار تيار الدولة
الاسلامية فانه تعصب مقيت مميت , الى الحد الذي اسقطوا فيه اي مخالف لهم مهما بلغ
من علم و جهاد و تاريخ . و حتى فيما بينهم فإنهم لا يقبلون حتى الاختلاف البسيط ,
فكل الامور عندهم مسلمات لا تقبل الاختلاف . و رموا مخالفيهم من المجاهدين اما
بردة او خيانة و استحلوا دمائهم . و هنا قد يقول قائل : ان كل الجماعات تقتل من
بعضها و ان الدولة قد تعرضت لكثير من الظلم . و هذا صحيح , لكن الفرق يكمن بين
سلوك سيء كما ينتهجه خصوم الدولة , و بين منهجية في التعامل سيئة و طريقة تفكير
سيئة باستحلال الدماء للمخالفين . و لم نسمع ايا من الفصائل التي تحارب الدولة قد
بعثت بانتحاريين و انغماسيين لضرب الدولة , لكننا سمعنا و رأينا كيف ان الدولة
بعثت بانتحاريين لضرب خصومها و منهم جبهة النصرة الفرع الشامي لتنظيم القاعدة !!
فالى اين سيأخذنا هؤلاء ؟ ان لم يكن هذا تعصبا مميتا , فما هو ؟ و قد يقول قائل :
اليس من حق الدولة الدفاع عن نفسها اذا تم الهجوم عليها ؟ فالجواب , نعم اكيد ,
فدفع الصائل حق كفله الشرع لأي جماعة و اي شخص يتم الاعتداء عليه . و هنا يجب
القول :
1- دفع الصائل الباغي لا يشترط تكفير المخالف , فالمخالف قد يكون مسلما
موحدا لكنه باغ.
2- لا يعني دفع الصائل الهجوم على المقرات و بعث انتحاريين بدل ان يبعثوهم
الى العدو الاصلي !! فهذا ليس دفعا لصائل انما هو البغي بعينه .
اخيرا : و هي همسة عتاب الى قادة و شيوخ التيار الجهادي , فقد عرف عن
التيار انه الاقوى في مجابهة الطواغيت , و هذا صحيح , لكنه ضعيف جدا في مجابهة
انصاره . و هذه حقيقة , فمثل هذه الافكار المغالية لا بد من هبة جماعية من علماء و
طلبة علم و قادة مجاهدين لوقفها بحزم , و لا تنفع الطبطبة و المداراة و امساك
العصى من المنتصف للخوف من الانشقاق في بقية البلدان , فان لم تكن هناك وقفة لهذا
التعصب المميت , فانه في كل بلد سيصبح مثل ما كان في سوريا , و الشواهد كثيرة . لا
بد من هذه الوقفة بكل قوة , و فضح الغلو امام العامة قبل الخاصة , كي لا نقع ضحايا
لمثل تلك الافكار . و لا يعني محاربة هذه الافكار و هذا التعصب هو كره في الجماعة
, انما محاولة لإرجاعها الى الطريق الحق و القويم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق