الاثنين، 28 مايو 2018

ادلب ... حصن الثورة الاخير بين المزايدات و الواقع


ادلب ... حصن الثورة الاخير
بين المزايدات و الواقع
بقلم : احمد ابو فرحة
من سيئات الفرد المنعم الجالس في امان و سكينة و الذي يحمل فكر الثورة او فكر الجهاد , انه يقبل على نفسه الراحة و فنون السياسة و فنون التقية , و لا يقبلها على جماعة , و لا حتى على شعب . سوق المزاودات في حال الاستضعاف سوق رائج , له زبائنه , و له مريدون . كالمتفرج على مباراة لكرة القدم يحللها و يعمل الخطط و يسفه اراء كبار المدربين , و هو لا يعلم كيف يركل الكرة !! نعم , في النعيم و الامان و تحت المكيف يمكن ان اقامر بحياة شعب كامل لاثبت اني شجاع !! و النتيجة , ماذا تؤثر كل عنترياتك و كل مزاوداتك على الارض ؟ لاشيء . انت في واد , و الواقع في واد آخر . او كما قال المثل : " عبال مين يللي بترقص بالعتمة ؟ "
اولا فلنعرف معنى الثورة , و نحدد اركانها , و محركها الرئيسي . الثورة هي شعب يقوم بقتال ضد حاكمه ليسقطه . اذا فالثورة : شعب , قتال , و اهداف . و في الحالة السورية فان الشعب السوري انتفض ضد الطاغية ليسقطه . و هذا هو ملخص الثورة السورية . فالشعب الثائر بمجموعه هو محرك الثورة و هو محتضنها . و القتال هو اسلوب الخلاص من الطاغية , و اسقاط الطاغية هو هدف الثورة . و لذلك فان نفس التنظيمات الثائرة من نفس الشعب الثائر , فان ارتفع حس الثورة لدى الشعب , ارتفعت وتيرة الثورية عند التنظيمات , و العكس صحيح .
الان و بعد سنوات من الثورة , و بعد مكر الاعداء في الليل و النهار , و بعد فشل كثير من التنظيمات في الصمود و رهن أنفسها لداعميها , فان وتيرة الثورة لدى الشعب السوري الثائر قد خفت , و اصبح الحصول على طعام و مأوى اولوية عند الكثيرين . و لا تستغرب اصلا وجود من يتمنى ان يرجع الى عهد ما قبل الثورة , فالوضع البائس المزري ثقيل جدا على الناس .
ادلب اليوم , بتقدير الله اولا و بظروف سياسية معقدة , اصبحت ملاذا لكل ثائر من اي مشرب و توجه . و الناس في ادلب اليوم يطمحون الى فترة استقرار يشدون فيها عضدهم و يتنفسون فيها بعد طول فتك . و لهذا فان مسؤولية هيئة تحرير الشام و من معها من الفصائل ان يجمعوا بين السياسة و الجهاد و البناء و العيش . معادلة معقدة جدا , تحتاج الى توفيق رباني اولا , ثم حس مسؤولية عالي من كافة الاطراف في ادلب . ادلب اليوم هي نواة المدينة الفاضلة التي ستخرج جيلا فريدا يعيد الامجاد .
يصدم المرء كثيرا بعقول لا تعرف الا لغة التشكيك و التخوين و المزاودة , عقول تشربت الانغلاق و احترفت الفصام بين الواقع و المأمول . عقول لا تفكر بسؤال واحد فقط ينهي كل ما يدور برؤوسهم : ما الحل ؟ هذه العقول ان فكرت بهذا السؤال بشكل جدي , لن يجدوا اجابة افضل مما كان . الكل يعلم حجم القوة من الاعداء عليك و الكل يعلم حجم التهاوي لكثير من الفصائل السورية , حتى اصبحت هيئة تحرير الشام لوحدها في الواجهة . فهل تقدم الهيئة على الانتحار لتثبت انها شريفة ؟ او ليثني عليها الشيخ فلان او علان ؟ ما هذه السطحية في التفكير ؟ ان المسلم المجاهد يعمل دائما ضمن الممكن , و ان الاقدام على غير الممكن يعتبر انتحارا . و المشكلة فان المزايدات تأتي من صنفين : الصنف الاول الذي تهاوى اولا و الذي جعل الهيئة لوحدها , و هؤلاء لا يحق لهم المزاودة . الصنف الثاني هم الجالسون المنعمون في بلادهم و الذين يمارسون اكبر درجات السياسة و التقية – على مستوى الفرد – لكن على مستوى الجماعة و الشعب فهي تنازل و رقة في دين الله!! . و هؤلاء قوم لم يحدثوا تغييرا ايجابيا في الامة و لن يحدثوا ابدا . فليعيشوا في نظرياتهم منتشين ببطولاتهم الدونكيشوتية .
ان هيئة تحرير الشام في ادلب اليوم يعقد عليها كثير من الامال في بناء مجتمع ادلب : ثقافيا و شرعيا و عمرانيا و بناء الانسان الصالح , هذا من جهة . و من جهة اخرى اعداد جيل مجاهد يكون مستعدا لحدث يريده الله في لحظة ما . و اخيرا , فان الوجود بحد ذاته يعتبر انجازا في لحظة ما , وجود يهيئ لوجود اقوى و اعظم باذن الله و ان مسيرة الجهاد ماضية الى يوم الدين و ان اختلفت ظروف و ان تبدلت وسائل  .

هناك تعليقان (2):