الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

ما بين رؤيتين : القاعدة و هيئة تحرير الشام

ما بين رؤيتين : القاعدة و هيئة تحرير الشام
بقلم : أحمد أبو فرحة

بعد خطاب الدكتور ايمن الظواهري الاخير المنشور في 28 تشرين ثاني 2017 باتت الرؤية واضحة عند كل من الظواهري و الجولاني , و بات ان فك الارتباط امر حقيقي غير شكلي و ان منهج كل جماعة بات مختلفا عن الاخر . و هنا نسرد بعض الملاحظات و التعليقات  المهمة بعد خطاب الدكتور ايمن الجديد .
1- هيئة تحرير الشام مشروع سني سوري عدوه الاصلي هو بشار الاسد و تنظيم القاعدة تنظيم عالمي عدوه الاصلي امريكا . و تعليقا على هذه النقطة , فان الدكتور ايمن يخاطب من يخاطب في سوريا و عنده تصور ان عدو هيئة تحرير الشام و عدو السوريين الاول هو امريكا , فيقول لهم : " كي ترضى عنكم امريكا " . و هذا احد الخلافات المهمة بين الظواهري و الجولاني . لقد غاب عن الدكتور ايمن ان صراع كل منطقة مختلف عن الاخر , فالقاعدة المبايعة لطالبان عدوهما الرئيسي امريكا لذلك من الطبيعي ان تعمل طالبان و القاعدة في افغانستان للاستفادة من الروس نكاية في الامريكان , و ان لم يشأ البعض تسميتها استفادة , فلنسمها غض الطرف من روسيا عن القاعدة و طالبان . فلماذا لا يخاطب الجولاني تنظيم القاعدة و طالبان لماذا تستفيدون من الروس و هم اعداؤنا المباشرين ؟! اذا , فلكل ساحة قتال طبيعتها و تعقيداتها و ليست افغانستان هي محور الصراع و ليست فلسطين هي محور الصراع , فكما نستخلص ان لكل ساحة اعداء مباشرين و اعداء غير مباشرين , فان استفاد المجاهدون من العدو غير المباشر لصالح ضرب العدو المباشر فاين المشكلة؟
2- يصر الدكتور ايمن الظواهري على ان فك الارتباط يكون بشرطين لا ثالث لهما , ان تذوب الجماعات مع بعضها و ان يشكلوا حكومة اسلامية , وقتها القاعدة بحسب الدكتور ايمن الظواهري ستتنازل عن التنظيمية . و هذا الكلام من بعيد يبدو جميلا لا لبس فيه , لكن مشكلته الوحيدة انه غير قابل للتحقق !! اي مجاهدين سيتحدون و سيشكلون حكومة اسلامية ؟ لقد بذل الجولاني الغالي و النفيس لاجل هذا الامر و اصطدم بما اصطدم , و اول ما اصطدم به هم الجماعة التي يدافع عنهم الدكتور ايمن و يناصروه الآن , الذين تركوا النصرة و فتح الشام و هيئة تحرير الشام لاجل اسباب تافهة و تحت غطاء الحفاظ على التوحيد !! فالكلام النظري الانشائي الوردي سهل , لكن الواقع هو المهم .
3- يخاطب الدكتور ايمن الظواهري " اخواني المجاهدين في الشام " , و هنا لا نعلم من يقصد بالضبط , هل اخوان القاعدة المجاهدين من الفصائل الاخرى الذين بسببهم رفض اتباع القاعدة الجدد الانضمام لهيئة تحرير الشام !! حقيقة هنا تناقض كبير جدا . الكل يعلم ان انصار القاعدة الجدد في سوريا تركوا النصرة و ما تبعها من تشكيلات بسبب ان الجولاني يتقرب من "الاخوان المجاهدين " في الشام , و انصار القاعدة الجدد اعتبروا ذلك دخنا في التوحيد . بمعنى ان الجولاني عمليا تقرب من اخوانه المجاهدين بالشام و القاعدة و انصارها هم سبب الخلاف و بنفس الوقت ينظرون انهم يريدون الالتحام مع اخوانهم بالشام !! الا ان كان قصد الدكتور ايمن هم انصار السلفية الجهادية في الشام هم المقصودين بكلامه اخواني المجاهدين بالشام , و هنا نحن امام ضيق افق تنظيمي كبير تجاوزته الساحة السورية قديما .
4- يخاطب الدكتور ايمن الظواهري و كأن القاعدة لها رصيد شعبي هائل في الشام , و هذا امر مخالف للواقع , لأن الحقيقة تقول ان القاعدة في الشام ليس لها رصيد شعبي يذكر , بضع عشرات او بضع مئات , و هذا لا يقلل من شأن جهادها , لكن الحقيقة المرة التي يتغافل الدكتور ايمن عنها ان امريكا و الانظمة العربية نجحوا في اقناع الشعوب عبر سنين ان القاعدة سبب من اسباب البلاء و يشمل هذا اعمال غير مقبولة قامت بها القاعدة هنا او هناك , و بسبب الكارثة الداعشية التي تأخرت قيادة القاعدة في مفاصلة الورم السرطاني الذي نخر هذه الامة عبر بوابة القاعدة و بسب و بسبب ... هناك اسباب كثيرة , و الخلاصة ان القاعدة ليس لها رصيد عند الناس في سوريا , فلماذا الاصرار على ربط مصير ملايين البشر المسلمين المضطهدين باسم القاعدة؟! هل الاسم غاية ؟ نعم قد يكون غاية عند الكثيرين .
5- كعادة خطابات قيادة القاعدة فانها تأتي متأخرة و غير مواكبة للاحداث و تغوص في تفاصيل تجاوزتها الساحة قديما .من بايع من و فلان يبايع فلان و ما شكل هذه البيعة و امور لا تؤثر علىطبيعة الصراع .  ففي الوقت التي كانت داعش تذبح المجاهدين من النصرة و الاحرار و غيرهم كان الدكتور ايمن يخاطب ابراهيم البدري بحفيد رسول الله !! السبب ؟ ان الدكتور ايمن يعيش في عالم يحصره ببعض الاشخاص . ما ينقله هؤلاء الاشخاص "الثقات" على ضوءه يتكلم الدكتور ايمن . و نحن في عصر السرعة و الانترنت , و الامة تجاوزت البوتقة التنظيمية و المنهجية .
6- للاسف تغلب "الشخصنة" خطابات القادة و المنظرين و المشايخ , فقد ورد في خطاب الدكتور ايمن اكثر من 18 مرة كلمة انا او ضمير الملكية "ي" , و هذا امر يعكس ان طبيعة الصراع مع الجولاني فيها نوع من الغيرة . و هذه الظاهرة تم رصدها عند اغلب المنظرين كبار السن , و كأنهم يستكثرون على الشباب ان يقودوا امة و ان خبرتهم و سابقتهم و تضحيتهم ترغم الاتباع ان ينصاعوا لهم , و في عصر السرعة يثبت من يواكب اول بأول و من يستشرف الاحداث يستحق الجدارة لا من يأتي دائما متأخرا !!
7- هدف القاعدة هدف عام "قتال الكفار و المشركين " و هدف هيئة تحرير الشام هدف محدد " قتال النصيرية و من والاهم في الشام " . يقال في علم المناهج و تطوير الذات انه اذا اردت ان تضع هدفا لك , لا تضعه عاما غير قابل للقياس . فسهل جدا ان تقول اريد ان اصبح لائقا صحيا , و لكن الاصعب ان تركض كل يوم 5 كيلومترات فتخسر في الشهر 5 كيلو. في تحديد الهدف تكسب امرين , الامر الاول انك تحيد الخصوم و تكسب الحلفاء . و الامر الاخر انك تكسب التعاطف كون الاهداف الخاصة اكثر تأثيرا , اضافة الى انك تستطيع تقييم نفسك بشكل افضل. فلو جئت لاهل الشام و سألتهم عن قوس واحدة : ما هدفكم ؟ لقالوا بصوت واحد : اسقاط النظام . و ان اي جماعة تقوم بعمليات ضد النظام يقفون معها . فمالهم و مال امريكا و مالهم و مال اي مسألة اخرى . في الوجدان هم مسلمون موحدون يكرهون امريكا و الصهاينة و كل من يؤذي المسلمين , لكن الواقع فرض عليهم ان يصبوا جام كرههم للنصيرية التي اذاقتهم الويلات .
8- ان الانفكاك عن القاعدة فعلا و حقيقة جنب الجولاني و من معه صراعات هو كان في غنى عنها و بنفس الوقت عرى اولئك "الاخوة" الذين رفضوا الاندماج معهم بسبب القاعدة و كشف زيف ادعائهم و كشف خبثهم , و اعطاه هذا الامر حرية اكبر للتفاعل مع الاحداث , و ما كانت تركيا لتتعامل مع هيئة تحرير الشام لو كانت فعلا تنظيم قاعدة . و حتى اليوم هم يعاملونهم بشكل غير مباشر . قد يقول قائل من بعيد بكل بساطة : و ما الفائدة؟ الفائدة ان صداما كان سيحدث بين الاتراك و الهيئة يحرق الاخضر و اليابس و يقتل ما تبقى من امل للثورة بسبب اسم !

ان الامة بكل ما مرت به من الام و تجارب تجاوزت موضوع التنظيمات و قدسية العلماء و قدسية القادة , اليوم الامر مختلف , الواقع من يفرض الناجح و من يفرض الفاشل , و التاريخ و البريق و الوهج لا تنفع في خضم الاحداث الجسام التي تعصف بالامة . هيئة تحرير الشام تسير نحو الهدف المنشود مستفيدة من كل الاخطاء و تحتاج الى من يسندها و يقف معها لا ان يطعن بها تحت مسميات و تحت شعارات غير حقيقية واقعيا , جميلة وردية في العالم الضيق المحصور داخل الافق الاضيق !

هناك تعليقان (2):

  1. للأسف توصيفك لحال هيئة تحرير الشام يجعلنا نعيش في عالم الأحلام، فما تنتهجه الهيئة لا يختلف عن نهج التنظيمات المتعصبة ، والشام ليست أزمة سورية يا أخي، إنها أزمة أمة قاطبة، ثم إن كنت لا تدري طبيعة المشروع الامريكي في الشام فهذا ينم عن ضعف اطلاعك، ودع الروس يحدثونك لماذا لا يرغبون في التنازل عن قواتهم في هذه الأرض أو مجرد انسحاب مؤقت، الصراع أكبر من تنظيرات عاطفية، أو طموحات مؤقتة مرحلية محدودة، إنه صراع فقهته كوريا الشمالية التي لاعلاقة لها بالعالم الإسلامي، وبقي أقوامنا يطمعون في فتات الغرب لعلهم يرحمونهم بمجرد حكومة بائسة لن تقدم أكثر مما قدمه لهم طواغيت سبقوا، يمكن القضاء عليها في لحظات!! إننا بحاجة لحلول جذرية يا أخي لا حلول عاطفية نرجسية!
    لنرتقي قليلا في نظرتنا للأزمات ونكون أكثر شمولية من قطرية خنقتنا كما خنقت قضية فلسطين التي لم ولن تجد خلاصا دون برنامج جهادي تقوده أمثال القاعدة.

    ردحذف
  2. بالغت بالقدح بالقاعادة نصرة للجولاني، شعرت أنك أنت العاطفي، ما يعمب عليه الجولاني عقلاني جدا وتجنبا لما هو اخطر وهو أكثر صوابا في سياسته الجديدة والله أعلم لكن هذا ليس لما ذكرت من " قدح وتهجم على القاعدة الأم".
    كلاهما يرى من منظوره ما قصة الغيرة والأنا وغيره هنا؟؟

    ردحذف