الأحد، 26 يوليو 2015

حكاية المجد في عصر الظلام - قصة قصيرة

حكاية المجد في عصر الظلام
قصة قصيرة
بقلم : احمد ابو فرحة
 
ولد ثائر لأسرة فقيرة في قرية بسيطة , تعاني بلاده من الاحتلال و الغزو منذ سنين . كان والده (عبد الله) مقاتلا شجاعا . أراد والد ثائر أن يكون ولده مقاتلا متعلما يفتخر به أمام الناس , لكن ثائر بعكس والده جبان يخاف الرصاص , فاشل في دراسته , و كان مصدر حزن لأبيه الذي أراد
ه غير ما كان .
حاول الوالد بذل المستحيل ليصبح ولده مدعاة للفخر , فدربه على البندقية منذ الصغر , و كان يعطيه نصف ما يجني كي يشتري الكتب و يتعلم , لكن ثائر كان يبذر الأموال التي يجنيها أبوه على التفاهة و على جلب الهدايا لحبيبته "ميادة" . مات والد ثائر و لم ير ابنه كما أراد أن يكون .
اشتعلت الحرب بين العدو و ثوار البلد , و أصبح القتال عنيفا , حتى أضحت اغلب حارات البلد و أطرافها جبهات و كمائن و اشتباكات .
و في احد الأيام , ذهب ثائر ليلاقي حبيبته ميادة على طرف بلدته , يتبادلان الحب و الغرام و القبلات , و يمضيان أوقات جميلة في عز الحرب و القتال . و بينما هو ذاهب إلى طرف البلد و تحديدا عند وادي الضباع , سمع ثائر أزيز الرصاص من كل حدب و صوب , فهرب ثائر ليحتمي وراء مجموعة من الصخور الكبيرة . و بينما هو هارب إلى كومة الصخور بسرعة رأى العدو متمترسا على أعلى الوادي , يكمن لمجموعة من الثوار . دخل ثائر بين الصخور و وجد جثة احد المقاتلين الثوار مضرجة بالدماء و بجانبه بندقية . من شدة هلعه و خوفه جثا على ركبتيه لا يقوى على الكلام , مصدوما من منظر الجثة , فهو لا يحتمل منظر الموتى و الدم . هدأ صوت الاشتباك قليلا , ثم ما طفق إلا أن رأى أسراب الرصاص تدك الصخور التي يحتمي بها . و لحلاوة الروح , تناول ثائر البندقية و أطلق النار على مصدرها , و تذكر وقتها حينما علمه والده الرماية . استمر تبادل إطلاق النار بين ثائر و الأعداء مدة نصف ساعة .
و بعدها , تمكنت كتيبة من الثوار قريبة من الموقع من إخراج العدو من وادي الضباع . أسفر الكمين عن مقتل كل الفرقة التي كان العدو قد كمن لها باستثناء مقاتل واحد . وجد مقاتلو الفرقة الثانية ثائر و معه البندقية و كان ثائر قد أصيب برصاصة في فخذه و كتفه الأيسر . قال له قائد الفرقة الثانية :" قم يا بطل , انك لمفخرة لكل البلد" . لم يجب ثائر بكلمة .
و في المستشفى الميداني , وصل نائب قائد الثورة ليسمع ما حصل , و كان المقاتل المصاب قد فارق الحياة و بقي ثائر . سأل نائب قائد الثورة ثائر : ما اسمك يا بني ؟ قال : ثائر . قال نائب القائد : "ما شاء الله اسم على مسمى . يبدو أنكم قد تعرضتم لكمين قوي و قد قاتلتم ببسالة , و لقد كبدتم العدو خسائر , كان أمام الصخور التي احتميت بها جثتان للعدو . لقد قاتلت ببسالة يا ولدي "
لم يتكلم ثائر بحرف واحد . و تابع صمته حتى تماثل للشفاء . و بعد أن شفي ثائر , قابله نائب قائد الثورة و قال له : " يا ولدي , يحملك قائد الثورة تحياته الحارة و بعث إليك وسام الشرف تقديرا لبلائك الحسن في المعارك و أمر بترقيتك من جندي إلى قائد كتيبة , فمثلك لم يولد إلا ليكون قائدا "
حاول ثائر أن يتكلم و كان يتلعثم : سيدي أنا لم افعل شيء أنا ......" فقاطعه نائب القائد و قال له :
" لقد سألنا عنك و نحن نعلم والدك عبد الله , أنت متواضع مثله , لا تكمل أرجوك" . صمت ثائر و لم يكمل .
و بعد هذه الترقية , صارت البلد تضج ببطولات ثائر و صار الناس يصطنعون القصص عن كيفية قتل ثائر لجنود العدو , منهم من قال انه ضرب جنديا من العدو بيده على عنقه فارداه قتيلا , و منهم من قال انه قتل ثلاثة جنود للعدو بطلقة واحدة بطريقة احترافية . نسي أهالي البلدة ثائر و تاريخه لمجرد أن قائد الثورة مجده و كرمه . و كعادة الناس , يتعلقون بأي بطل قريب منهم , ليسدوا نقصا في نفوسهم الضعيفة . و بعد كل تلك القصص , دخل على كتيبة ثائر كل الشجعان الذين أرادوا القتال تحت لواءه , و بالفعل و لشجاعة المقاتلين , كانت الكتيبة التي يقودها ثائر مميزة جدا و أكثرها بطشا للعدو , و لم يكن ثائر يفعل إلا القيادة من بعيد و الاعتماد على (عماد) المقاتل الشرس الذي اختاره ثائر نائبا له . و في احد المرات تعرضت الكتيبة للقصف بالمدفعية و أصيب ثائر للمرة الثانية في حياته , ثم بعدها تماثل للشفاء .
أنست هموم الحرب و الانخراط فيها ثائر حبيبته القديمة ميادة , و لم يدر ثائر كيف مضت سنتان من عمره و هو قائد في الثورة . تذكر ثائر ميادة و قاده شغفه إلى الذهاب لقريته و رؤيتها . و هو في الطريق إليها , كان يتخيل كيف ستفخر ميادة به , فهو الآن قائد معروف و سمعته تسبقه غالى أي مكان يذهب إليه ,و كان يريد التكلم عن الزواج . حاملا باقة الزهور , طرق باب بيت ميادة , و ما أن فتحت الباب حتى أصيبت بالدهشة و لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة . قال لها ثائر : " مضى وقت طويل يا ميادة , كيف حالك ؟" . إجابته :"بخير . لم أكن أتخيل انك تتذكرني حتى اللحظة " . و تحدثا على الباب و تفاجأ أنها لم تعد تبادله الشعور مثل ذي قبل , فأخبرته أنها الآن مخطوبة لتوفيق ابن جيرانها . لم يكن احد يعلم بالحب بين ميادة و ثائر . اغرورقت عينا ثائر بالدموع و انسحب من أمام بيتها يجر أذناب الخيبة .
رجع ثائر إلى بيته منطو على نفسه , و بعد يومين خرج من البيت و ذهب ليقابل توفيق خطيب ميادة . دق على بابه , ففتح توفيق الباب , اندهش توفيق عندما رأى ثائر و لم يصدق عيناه و قال " ثائر البطل أمامي بشحمه و لحمه !! كم أنا محظوظ !!" . طلب ثائر من توفيق أن يرافقه إلى وادي الضباع ليخبره شيئا ما , فتبعه توفيق و السعادة تغمره . و عند وصولهما إلى الوادي , اخبر ثائر توفيق بأنه يحب ميادة و يريد أن يتزوجها و طلب من توفيق أن يتركها , فاندهش توفيق من الكلام و تبادلا الصراخ . ثم طلب ثائر من توفيق أن يصارعه , فان صرعه سيترك له ميادة . وافق توفيق و بدأا بالمصارعة و كان توفيق أقوى من ثائر فصرعه على الأرض بعد أن حاول خنقه . و هو على الأرض تناول ثائر المسدس و غرز في بطن توفيق ثلاث رصاصات ليرديه قتيلا . و كان يبدو على ثائر آثار ضرب على وجهه و آثار أصابع اليد على رقبته .
مرت سرية من الكتيبة التي يقودها ثائر إلى المكان فوجدت ثائر مضرجا بالدماء على وجهه من الضرب , و وجدوا أيضا توفيق ملقى على الأرض غارقا بدمائه . و في مقر القيادة , طلب نائب القائد توضيحا لما حدث , فأخبر ثائر انه كان يحقق مع توفيق لارتباطه بالعدو , و عندما اخبر ثائر توفيق انه يعلم بارتباطه بالعدو حاول قتله و ما كان من ثائر إلا أن يدافع عن نفسه و يقتله . وسام آخر من أوسمة الشرف تضاف إلى سجل ثائر النضالي , فقد قتل الجاسوس . و كعادة أهل البلد فقد ربطوا بين أي محاولة اغتيال حدثت للثوار و بين توفيق الجاسوس , و زاد احترام الناس و القادة لثائر . و ما كان من قائد الثورة إلا أن رقاه بعد إعدام الجاسوس حتى أصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة على مستوى البلاد .
مجلس قيادة الثورة كان يضم عشرة قادة و الحادي عشر هو قائد الثورة . خلال أربع سنوات استطاع ثائر أن يرتقي من شاب فاشل إلى عضو في مجلس قيادة الثورة بسبب حب نائب القائد له و لشجاعته و لبطولته !! بعد عامين من كونه عضوا في المجلس , تمكن العدو من اغتيال قائد الثورة . فاستلم نائب القائد القيادة و عين ثائر نائبا له . اطلع عبد القادر ( قائد الثورة الحالي) ثائر على كل أسرار الثورة و استلم ثائر أموال الثورة . حاول ثائر أن يعوض الجرم الذي ارتكبه بقتله توفيق بدون حق , فانشأ مستوصف في بلدته و انشأ مدرسة و بنى مسجدا على حساب الثورة – بظنه انه سيكفر أخطائه.
فرح أهل البلدة لما قام به ثائر و أصبح ثائر رمزا وطنيا في البلد . إلا أن إخوة توفيق حقدوا على ثائر حقدا لا يحده حد و لا يوفقه سد , و علموا أن ثائر غريمهم و عرفوا بقصة حبه لميادة . و اقسموا على الأخذ بالثأر . لكن من يسمعهم و من يصدقهم الآن ؟ بعد أن بنى ثائر المنشآت و ارتقى ببلده .
بعد عام و نصف لتسلمه نائب القائد , تعرض عبد القادر و ثائر و بعض من مجلس قيادة الثورة لكمين بموكبهم , أدى إلى مقتل عبد القادر القائد و 4 من أعضاء مجلس الثورة , و نجا ثائر من محاول الاغتيال بإصابة بليغة في بطنه و رأسه . بعد شهر تماثل ثائر للشفاء و استلم منصب قائد الثورة . رأى ثائر حجم المسؤولية العظيمة و ثقلها و علم انه ليس أهلا لها أصلا , فالقدر الذي أوصله لهذا فقط , و ساء وضع الثورة باستلام ثائر . فكر ثائر في حل يخرجه من الأزمة , فتشاور مع احد المقربين إليه و هو عماد الذي كان نائبا له في قيادة الكتيبة , أصبح الآن نائبا له في قيادة الثورة بأكملها , و اخبره بأنه ينوي أن يعمل اتفاقية مع العدو لوقف القتال و كانت الحجة أن المحارب يحتاج إلى استراحة , و قال لمساعده عماد أن لا يخبر أحدا حتى يرى رد فعل العدو , فان وافق العدو بشروط معينة , سيعرف ثائر كيف يخرج من الأزمة ببطولة أخرى تضاف إلى سجله . و إن رفض العدو فانه سوف يعود للقتال مرة أخرى .
و بينما هو ذاهب لمقابلة العدو مع نائبه عماد و لا احد معهما الا حارس واحد , و هم في السيارة رأوا حجارة كبيرة تسد الشارع , فنزل الحارس ليزيلها , و إذ به يتلقى رصاصة في رأسه . و بسرعة خاطفة امسك ثائر و عماد الأسلحة ليقاتلوا و ما أن خرجوا من السيارة للدفاع عن أنفسهم حتى رأوا أخوة توفيق الأربعة مسلحين , فقتلوا ثائر و مساعده عماد و قالوا له قبل أن يموت : هذه لعنة روح توفيق المظلومة . مات ثائر و نائبه عماد و الحارس , و حمل الثوار المسؤولية للعدو , و أصبح ثائر رمزا وطنيا و أقيمت له جنازة ضخمة مهيبة و بنيت له التماثيل و حيكت عنه الحكايات و القصص و أصبحت لا تخلو مدينة من شارع اسمه ثائر و لا من مدرسة أو جامعة إلا و تحمل اسمه . و بعد أن استقلت البلاد و صار مناهج و نظام خاص , بتعلم الطلاب في مادة التاريخ عن بسالة " ثائر" القائد و هو الآن محفور في قلوب الطلاب و الناس في عصر فقد أهليته ليعلم من هو الشجاع و من هو النذل , من هو الخائن و من هو البطل , ما هي الخيانة و ما هي البسالة .

هناك 4 تعليقات:

  1. شركة الياسمينة للخدمات المنزلية : أفضل شركة متخصصة فى مجال التنظيف فى مدينة جدة حيث نقوم بتنظيف المنازل والفلل والشقق والبيوت عبر أفضل العمالة المدربة خدمة ممتازة وأسعار رخيصة خبرة تفوق العشر سنوات ونقوم أيضا.
    شركة تنظيف بجدة
    شركة تنظيف بالبخار بجدة
    شركة تنظيف فلل بجدة
    شركة تنظيف منازل بجدة
    شركة نظافة بجدة
    شركة تنظيف شقق بجدة

    ردحذف