الأربعاء، 22 يوليو 2015

عن مقال النحاس و احرار الشام و جبهة النصرة

عن مقال النحاس و احرار الشام و جبهة النصرة
بقلم : احمد ابو فرحة
لعل اكبر مشكلة تواجه الاسلاميين بشتى تفرعاتهم و افكارهم , هي اسقاط احداث و افعال فعلها النبي صلى الله عليه و سلم على واقع جماعاتهم الناقصة . فكلهم يعتبرون انفسهم مقام النبي و كلهم يستشهدون بافعال النبي . و النتيجة انه لا احد مثلهم كالنبي و لا تنظيماتهم تعكس تجربة النبي .
فاذا ارادت جماعة معينة انتهاج اقصى درجات القوة قالوا : قال صلى الله عليه و سلم لكفار قريش : "جئناكم بالذبح" . نعم صحيح قالها . و اذا ارادت جماعة اخرى انتهاج اقصى درجات التميع لقالوا : الرسول صلى الله عليه و سلم عمل صلح الحديبية و الكل يعلم ما صلح الحديبية !! . نعم صحيح الرسول وقع صلح الحديبية .
و اننا لا نقول جئناكم بالذبح التي قالها النبي غلوا و لا صلح الحديبية التي وقعه انبطاحا او تميع . معاذ الله .
لكن الذي يغفلونه : لا تتجسد و تتلخص سيرة النبي بجئناكم بالذبح و لا بصلح الحديبية . هناك احداث اخرى و واقع اخر و ظروف اخرى و لكل حادثة ظرفها و مناسبتها.
قبل مدة كتب الاستاذ لبيب النحاس - احد قيادات احرار الشام السياسيين مقالا في احدى الصحف الامريكية الكبيرة . بالطبع سنجد هناك من سيبرر و هناك من سيهاجم و هناك من سيؤصل مع و سؤصل ضد . هذا طبيعي . و بالطبع فان الحساسية من الغرب و بالذات امريكا موجودة عند المسلمين و بالذات الجهاديين لاجرام الامريكان و الغرب بالمسلمين عبر السنين الطويلة بالمسلمين و ذبحهم .
لن اتطرق لمناقشة المقال بشكل شرعي , لان الشرع "شرائع" عند الاسلاميين و الكل يدعي صحة وجهة نظره , لكنني سأناقش المقال بالواقع الذي نراه و اعلق عليه .

اولا : لا مشكلة بالتحاور مع الغرب و فتح قنوات اتصال و اللعب بالسياسة ما دام هناك ثوابت اسلامية اهمها اقامة الشرع و حفظ دماء المسلمين و اعراضهم .المشكلة في ان كثيرا من التجارب السياسية فشلت و السبب ليس في السياسة نفسها انما فيمن فعل هذه السياسة . و مقال الاخ النحاس فيه نوع من الضعف من ناحية الصياغة و بالذات انه اول مقال يخرج من حركة مجاهدة الى الغرب . فبما ان الاخ النحاس سياسي و يراعي الوضع العالمي , كان لا بد له من مراعاة شريحة كبيرة من الناس و هم حلفاء له بالصياغة - و هذه سياسة ايضا. و ايضا توقيت المقال جاء في ظرف غير مناسب و الهدف من المقال ايضا غير واضح .
ثانيا : العمل الجهادي دون وجود نافذة على العالم الخارجي و تعاطي معقول مع الغرب سوف لن يطول و لنا في تجارب المجاهدين عبر العالم عبر كثيرة .اغلب النماذج الجهادية فشلت في تحقيق نموذج تمكين و لو نسبي . و التجربة الاكثر نجاحا للجهاديين كانت طالبان في افغانستان و ذراعها العالمي القاعدة . و ان لم تقل طالبان كذلك و ان لم تقل القاعدة كذلك , لكن كان ذلك الواقع .
ثالثا : كثيرة هي الاطراف السورية التي تتسابق ان تكون ممثلة للسوريين و تفتح علاقات مع الغرب . منها العلماني و منها الاسلامي . و لكن الغرب ينتظر من الاقوى ليثبت ثم يتعاطى معه . و الكل يتسائل : لماذا الغرب مجبورون للتعاطي معه ؟ اليس عدونا ؟ بلى عدونا , كان و سيبقى و سيظل حتى تقوم الساعة , لكن تعقيدات الوضع العالمي اكبر بكثير من التنظير . نحن كمسلمون يلزمنا ديمومة للوجود الجهادي و الاسلامي و لو تحت سقف "غير مثالي بالنسبة للاسلاميين" . نحتاج لبناء مجتمع اسلامي قبل بناء دولة اسلامية . نحتاج الى فترة راحة و نقاهة تجعلنا نرتب اوراقنا و نضع الخطط للمستقبل . 
رابعا : لا بد من ترتيب الاولويات و الالتزام بها , و اولى الاولويات هي اسقاط نظام الاسد . و ينبغي ان لا ينشغل المجاهدون و الثوار بما يلهي عن هذه الاولوية . فبعد سقوط الاسد كاملا ستبدأ مرحلة جديدة و معطيات جديدة و تحالفات جديدة و صداقات جديدة و عداوات جديدة . المهم انجاز هذه المرحلة ايا كان الثمن .
خامسا : بالنسبة للنصرة و الاحرار فهم اخوة الدين و الجهاد و ان كان هناك اختلافات فكرية و منهجية . فكان لا بد للنصرة و شيوخها و منظريها حسن الظن بالاخوة الاصدقاء , و ان يعلموا ان هناك خير لهم في وجود الاحرار في الداخل و في الخارج ايضا . فربما ما لا استطيع فعله بنفسي لسبب منهجي يمنعني , يستطيع ان يفعله صديقي !! و ربما نكمل بعضنا البعض . فان تحالف الاحرار و النصرة على اختلاف مناهجهما تشكل اكبر صدمة للغرب و امريكا . ثنائي خطير !!
كان لا بد من حسن الظن و التعليق بأدب بل و افضل : الانتظار . و احرار الشام بمفكريها و شرعييها كان لا بد من فهم تنظيرات النصرة و شيوخها و ايضا الرد بأدب على شيوخ النصرة و ان اساؤوا الظن  .خلافاتكم اكبر مطلب للاعداء فتنبهوا .
و يستحضرني موقف مبسط و لطيف اسرده لتقريب الفكرة اكثر . فالذي يهمني هم المجاهدون البسطاء لا كبار القادة . كان هنالك في مدينتنا فتاة منتقبة تربت على الالتزام و عدم مخالطة الرجال حتى اقرب اقربائها لا تكلمهم . صار الوقت لتدخل به الجامعة بما فيها من اختلاط و منكرات و عالم لا يتناسب مع الملتزمين . بعد شروط مشددة دخلت الفتاة الجامعة و تعرفت على صديقة غير منتقبة و لكنها ملتزمة و اكثر انفتاحا . في فترة دراسة الاربع سنوات , ساعدت الصديقة صديقتها بكل شيء و هي التي كانت تحضر الطعام و تناقش الزملاء و الدكاترة  عنها و عن زميلتها و تذهب معها للسوق و تساعدها في شراء حاجياتها . فلا الفتاة الاولى معقدة لا تستحق الحياة , لكن لها ظروف معينة , و لا الفتاة الثانية عاهرة و ساقطة !! و لا الفتاة الاولى هي الصح المطلق و لا الفتاة الثانية هي الصح المطلق !!
قد يقول قائل ما علاقة هذه بالعقيدة و الدين و الايمان و الكفر !! نرجع للمربع الاول . الكل يدعي انه الحق القويم !!
المهم ان يحافظ الصديق على صديقه و يعينا بعضهما , و ان لا قدر الله و حدثت مفاصلة لا مفر منها بين الاصدقاء فلا حول و لا قوة الا بالله . و لا يستبقن احد الاحداث و ليغلب حسن الظن .
و همسة اخيرة الى الاحرار و النصرة : فيا جبهة النصرة دونكم تجربة داعش فاياكم ان تكرروها . كان سببها الاساسي الانغلاق و تخوين الآخر . و الى احرار الشام : دونكم تجربة اخوان تونس و العراق و شيخ شريف و غيرها . كان سببها الاساسي الانفتاح الزائد و ضياع الثوابت ...
 

هناك تعليقان (2):