الخميس، 16 أبريل 2015

سكرة الفكرة و الاستيقاظ بعد الغفلة


سكرة الفكرة و الاستيقاظ بعد الغفلة
بقلم : أحمد أبو فرحة
.....................................

هكذا هو طبع البشر عندما يكونون في حالة استضعاف , يتعلقون بقشة أمل يمثلونها في شخصية او في تنظيم او حركة , فيعظمونها و يكبرونها بما لا تستحق , و يعيشون اوهام مثالياتهم الوردية داخل عقولهم , و ينفصمون عن الحقيقة و الواقع في سبيل "عيش لحظات السكرة" الجميلة و في سبيل الامل المنشود . و بعدها , يكتشف الناس ان من عظموهم في لحظة استضعاف ما هم الا بشر يخطئون , بل و قد يكونوا يدمرون , بل و قد يتعدى الامر وراء ذلك . فيكتشف اصحاب الاوهام الطيبون انهم كانوا اعوانا لمشروع تدميري سيدفعون هم و غيرهم ثمن تكبيرهم و تضخيمهم للكارثة التي كانت يوما أملا !! البشرية لا تتعلم , و ان الحياة لدولاب , نعيش حلقاتها المتكررة كل فترة من الزمن .
نعود الى الوراء , نحو مائة عام , حيث كانت الخلافة العثمانية في اضعف حالاتها و ترهلاتها , و الاخطار تحدق بها من كل نحو و صوب . قلاقل داخلية و مكر خارجي و اخطاء في ادارة الحكم , جعلت الناس يرون ان هذه الخلافة لا بد من ان تزال . كان القائد العسكري الصلب , مصطفى كمال اتاتورك قائدا لاحد جيوش الخلافة الاسلامية , يذود عن حياضها و يعد الناس بارجاع امجاد الخلافة القوية . انتصاراته العسكرية المبهرة و خوف كل الجيوش من مجابهة اي جيش يقوده مصطفى اتاتورك , ثم انتصاره الساحق على اليونايين , جعلت الناس يتعلقون به و يرون فيه المخلص لنكباتهم.
ماذا يريد الناس اكثر من هذا ؟ قائد مسلم له كاريزما ساحرة , عسكري صلب , يقول انه سيرجع امجاد الخلافة القوية . كل ذلك "الخمر" جعل قلوب البسطاء و غير البسطاء حتى , يرون في هذا القائد المخلص . حتى قال فيه أحمد شوقي , و هو من هو , هذه الأبيات :
الله أكبر كم في الفتح من عجب .. يا " خالد" الترك جدد خالد العرب
حذوت حرب الصلاحيين في زمن .. فيه القتال بلا شرع ولا أدب
يوم كبدر فخيل الحق راقصة .. على الصعيد وخيل الله في السحب

اذا كان هذا حال أحمد شوقي , فما حال بقية الناس ؟! يشبهه بخالد بن الوليد الصحابي الجليل !! و يشبه حروبه كحروب صلاح الدين !! و يشبه انتصاراته بيوم بدر !!
بعد ذلك كله , مصطفى كمال اتاتورك يهاجم الخليفة و يتهمه بالتهاون بالشرع !! فيؤيده الناس و يبررون كل تصرفاته و اخطائه , حتى انه يريد عزل الخليفة , فيفتي "مفتي الخلافة" باهدار دم مصطفى كمال اتاتورك , فبلغ من الناس ان دافعوا عن اتاتورك و هاجموا الخليفة ,حتى قال شوقي :
أيقال فتيان الحمى بك قصـروا ** أم ضيعوا الحرمات أم خانـوك
وهم الخفـاف إليك كالأنصـار إن ** قل النصير وعز من يفديـك
والمشتروك بمالهم ودمائهــم ** حين الشيــوخ بجبة باعـوك
هدروا دماء الذائدين عن الحمى ** بلسان مفتي النار لا مفتيك !

فما كان من اتاتورك بعد استلام الحكم الا ان الغى الخلافة و فصل الدين عن الدنيا , و اصبحت مرحلة جديدة من حياة المسلمين مختلفة تماما بعد اتاتورك , مرحلة يحارب فيها الدين , بعد ان كان اتاتورك أملا و مخلصا و منقذا في اوهام من يحب هذا الدين !!
مرحلة لا زلنا ندفع ثمن تبعاتها قهرا و ذلا , مرت عبر حب السلطة و سذاجة الناس و مكر الاعداء لدين الله .
لعل البعض جل همه ان يبقى فرحا في سكرة افكاره و ورودية احلامه , لا يهمه الواقع و لا الناس و لا الحقيقة , هذا هو المهم , لكن بعدها سيدفع هذا "الثمل" ثمنا باهظا و سيدفع ايضا غيره ثمنا باهظا .
و بعد ان دافع و برر الناس لاتاتورك و رأوا الفاجعة التي حلت بهم , أصبحوا يلعنونه صباح مساء , لكن بعد ماذا ؟ بعد خراب مالطة كما يقولون !!
ها هو أحمد شوقي نفسه يذم "عبيد الترك" بعد ان كان "خالد الترك " و يقول :
بكت الصلاة و تلك فتنة عابث ** بالشرع عربيد القضاء وقاح
أفتى خزعبلة و قال ضلالة ** و أتى بكفر بالبلاد بواح

و صار أحمد شوقي يرثي الخلافة , بعد ان ساعد بأشعاره من هدمها , هو و غيره من "المفتونين"
فكم صنعنا من وحوش فتكت بنا ؟ و كم مجدنا من صار جلادا لنا ؟ و كم بررنا لاخطاء قاتلة ؟ و كم تعامينا عن الحقيقة في سبيل احلامنا ؟ كم خذلنا من مسلمين ؟ كم أضعنا من فرصة ؟ كم شاركنا بخراب دون أن نعلم ؟ كم داهنا في الحق لأجل أفكار ؟ كم و كم و كم ؟

هناك تعليق واحد:

  1. أستاذي الفاضل اشكركم على المقال وبعد اذنكم اود ان ادلي بدلوي في الموضوع بداية الذي يوشك ان يغرق ويجد بصيص امل لا يسعه الا ان يتشبث به ايا كان مصدره بالنسبة للشاعر احمد شوقي لم يكن يعلم الغيب حتى يرى ما سيقوم به اتاترك مع اني لا اوافق وصفه وتشبيهه بالصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وبارك الله فيكم.

    ردحذف