حول الانضباط و
العمل المؤسساتي في الجماعات
بقلم : أحمد أبو
فرحة
إن العقلية
العربية بالعموم و الإسلامية بالخصوص تتسم بسرعة الانشقاق و التشظي ثم الخلاف و
بعدها ربما القتال . إن غياب مفاهيم كفقه الاختلاف و الانضباط داخل الجماعة و
تغليب مصلحة الأمة على مصلحة الفرد و الانفتاح الفكري مع الثبات , كل هذه مفاهيم
مفقودة في مجتمعاتنا و جماعاتنا .
و الأخطر من هذا
كله , أن أي اختلاف أو خلاف يغلف بغلاف الدين و نصرة التوحيد و الهروب إلى الله ,
مع أن الأمر قد يكون اقل من ذلك بكثير .لنا أن نتخيل عصر صدر الإسلام الأول كيف
كانت نفوس الصحابة الأطهار نقية , لكن الم يكونوا قد اختلفوا في رأي ؟ من قال أن
الصحابة كلهم كانوا على فهم واحد ؟ متى يكون الانشقاق من قبل الفرد أو في المقابل
الفصل من قبل الجماعة ؟ ببساطة إذا غلبت السيئات الحسنات وقتها لكل حادث حديث . أما
إن كانت الجماعة حسناتها اكبر من سيئاتها فوجب عدم التفرق . كذلك على مستوى الفرد
.
أما على مستوى
الانضباط , فان الانضباط أنواع أبرزها : عسكري , إعلامي , سياسي . و هذه الثلاث
مجالات لا تهاون بقضية الانضباط فيها , أما على مستوى الفرد فحرية التبني مفتوحة و
الجماعة أو الدولة لا تلزم الفرد بفقه معين . هنا يستطيع الفرد أن يخالف الجماعة
دون تشقق الجماعة عسكريا أو سياسيا أو إعلاميا . يستطيع الفرد أن ينصح إذا اعتبر أن
الأمر بحاجة إلى نصيحة , و يستطيع الفرد أن
ينكر إذا رأى انه يلزم إنكار . هذا أصلا إذا كان المرء يقبل السير ضمن العمل
الجماعي , أما إذا كان المرء يعتبر نفسه رجلا بأمة فهذه مشكلة الفرد لا مشكلة
الجماعة . في مفاوضات طالبان مع أمريكا , يرى الباحثون أن هناك تيارات في الحركة
ترفض الجلوس مع الأمريكان جملة و تفصيلا , لكن من يسمع عن انشقاقات في طالبان و
قتال بينهم و استقالات ؟ في حماس بفلسطين وقتما دخلوا الانتخابات رفض كثير من
عناصر و بعض قادة حماس الدخول في الانتخابات و رفعوا اعتراضات مكتوبة , لكن لم
نسمع عن انشقاقات إلا بعض حالات قليلة . و ليس بالضرورة أن يكون رأي الجماعة أكثر
صوابا من رأي الفرد , فالطرح المثالي بشكل أكيد اسلم نظريا من الطرح العملي , لكن
ليس كل الأمور تعامل بكيفية مثالية .
متى نستطيع أن
نقول إن الجماعة سيئاتها أكثر من حسناتها و يجب الترك ؟ هناك إشارات إعلامية و
سياسية و عسكرية غير قابلة للتأويل و أن تكون الجماعة بصف الأعداء , وقتها لا بد
من الترك . نقطة أخرى هامة . ماذا لو كانت الجماعة تسير في حقل ألغام يتربص بها
القريب و البعيد ؟ يصطاد خصومها و أعداؤها أي كلمة لمواصلة الحرب عليها ؟ هنا وجب
على الأفراد و القادة الانضباط أكثر من الحالة الطبيعية .
إن العمل
المؤسساتي أيضا مفهوم مفقود في العقلية العربية . فماذا نعني بالعمل المؤسساتي ؟
العمل المؤسساتي هو توزيع الأدوار و رفع الكفاءة و التخصصات و عمل الأجزاء بشكل
متكامل كجسد الإنسان . لكننا نرى مثلا أن القائد في الجماعة الإسلامية أو حتى
الفرد يفهم بالعسكرية و يفتي بالاقتصاد و يناكف بالسياسة و يجادل في التعليم و
ينسخ و يلصق في الفقه و و . من هنا ينخر الضعف . توزيع الأدوار و إعطاء التخصصات
يساعدان على الإبداع في التخصص و يحدان من التشغيب . فإذا كان الفرد بارعا في
العسكرية فليلتزم و يبدع في مجاله , و المتابع السياسي و صاحب الخبرة هو من يختص
بالسياسة و التعليم و الصحة و الدعوة و بقية المجالات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق